لهم، وابتدعوا لهم قاعدة في إقرار البدع والإنكار على منكريها، وهي تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة! واختراع محسان لما فشا منها، ككونها من حب الأنبياء والصالحين وتعظيمهم والتبرك بهم، وهذا عين الغلو الذي فعله أهل الكتاب وقوم نوح من قبلهم، وحذرنا الله ورسوله من فعلهم.
ومقتضى هذه القاعدة أن لكل أحد أن يبتدع في دين الله تعالى كل ما يستحسنه كما فعل أهل الملل السابقة بعد أنبيائهم، حتى إذا فشت البدع وكثر أهلها أيدها الحكام الجاهلون المستبدون إرضاء للعامة، وأيدها المعممون المقلدون إرضاء للفريقين، وأعقب ذلك إنكار الثلاثة على أنصار السنة، وتسميتهم مبتدعة مخالفين للجماعة، وهكذا انعكست القضية، وانقلبت البدعة سنة والسنة بدعة، وتحول المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وصار أهل البدع يحتجون على دعاة الكتاب والسنة بمخالفة الجماعة، والخروج على السواد الأعظم من الأمة، وتبديعهم، وتضليلهم بدعوى أن الأكثر هم المسلمون لا سواهم، ولا يقتصروا في ذلك على البدع الإضافية العملية كالأوراد المخالفة للمأثور في صفتها وتوقيتها، وجعلها كالشعائر في الاجتماع لها ورفع الأصوات بها، وبدعة محمل الحج، بل أدخلوا فيها البدع الوثنية بعبادة الصالحين بالدعاء وغيره، والعوام يتبعون من يدافع عنهم، ويدعي اتباع أئمتهم، وتؤيده حكوماتهم، ونبز داعي السنة بلقب المجتهد المحاول لهدم المذاهب المحتقر للأئمة، وباب الجدل واسع لا نهاية له، والعمدة في اتباع السنة والجماعة ما كان عليه أهل الصدر الأول في أمر الدين -ومنهم أئمة الحديث والفقه المعروفون- ولا سيما العبادات والقربات ومنها تعظيم الرسول ﷺ وآل بيته وأصحابه والمهتدين بهديهم من غير غلو ولا ابتداع.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه الأمة أمر دينها، بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد
1 / 6