جبريل من عند الله تعالى على محمد رسول الله ﷺ ونتبعه فيه، حتى إذا جاء ذكي آخر بما ينقضه بقول أفصح منه اتبعناه فيه، وهكذا دواليك لا يستقر لنا في ديننا حال؟ اهـ مبسوطًا بمعناه، وكان يقول: كل ما لم يكن في عهد رسول الله ﷺ دينًا لا يكون بعده دينًا، فإن الله تعالى أكمل لنا الدين بنص كتابه قبل أن يقبضه إليه.
وقد قيل له: إن أناسًا من أهل المدينة يقفون عند قبر النبي ﷺ فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده. اهـ. ذكر هذا في المبسوط.
وإنما استثنى مالك من أراد سفرًا أو قدم منه لأنه صح عن عبد الله بن عمر أنه كان يفعل ذلك أي يأتي القبر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، وينصرف كما في صحيح البخاري، ولم يرو هذا عن غيره من الصحابة، وكان عبد الله بن عمر ﵁ أشدهم عناية بمثل هذا، فقد روى عنه أنه كان يتحرى في نسكه تتبع خطوات النبي ﷺ ومواقفه وأمكنة طهارته، وصلاته ومنحره، وإن صح أن هذا غير مسنون، ولم يكن يفعله أبوه ولا غيره من الخلفاء الأربعة وعلماء الصحابة، لأن النبي ﷺ قال كما في صحيح مسلم وغيره: "وقفت هنا وعرفه كلها موقف". وقال مثل ذلك في المزدلفة وقال في منى: "نحرت هاهنا ومنى كلها منحر" لئلا يتحرى الناس موقفه ومنحره ويجعلوه مشروعًا فيزدحموا عليه، وهذا زيادة في الشرع وهي كالنقص منه.
ثم إن البدع فشت بضعف العلم والعمل بالكتاب والسنة ونصر الملوك والحكام لأهلها كما فعل بعض العباسيين في عصر دولة العلم، وتفاقم في عصور من بعدهم من دول الأعاجم، حتى صار لفظ "السنة والجماعة" لقبًا مذهبيًا انتحله بعض علماء الكلام المبتدع -وكادوا يحتكرونه دون متبعي السلف، وهم الحنابلة وأهل الحديث- ومن هؤلاء المتكلمين المقلدون في الفروع لأبي حنيفة ومالك والشافعي وكذا أحمد ابن حنبل وإن خالفوا أئمتهم فيما كانوا عليه من اتباع السلف، واجتناب البدع، وعدهم علم الكلام منها، فترى المتأخرين منهم يشاركون العوام في بدعهم، ويتأولونها
1 / 5