فأتعلق بثيابهم وأنا أستنجد: ألست رجلا من الشعب! - نعم، ولكنه يريد رجلا آخر!
وأعود معهم أشق ردهات القصر، وأعبر دروبه، وأجوز قاعاته، وأتفرج على بدائعه وكنوزه. ويلاحظ الحراس أن رجلي أصابها الوهن، فأنا أعرج بهما. وإنني في حاجة إلى الراحة بعد جهد المسير.
أنا ما زلت في موقفي على إفريز هذا الشارع.
ها قد انقضت ساعات الظهيرة.
ولا بد لي من أن أرى قيصر.
سمعت أناسا يهتفون وتبح أصواتهم. بعضهم يقول إنه قد رأى الموكب وهو يعبر الحي القريب، ولكن عاقته الجماهير المتدافعة عن مسيره. والبعض الآخر يؤكد أنه قد سمع الأبواق على طول الطريق، وهي تؤذن بقدوم قيصر. وفريق ثالث يقسم الأيمان على أنه قد شاهد العربة الإمبراطورية وهي تتخطر في الطريق كالعروسة الجميلة في ليلة الزفاف. ثم يعتذر عن تقصيره في الوصف قائلا: إن أحكم حكمائنا وأعز شعرائنا لن يستطيع أن يصف لكم روعة الموكب الإمبراطوري. ونتحرق نحن شوقا إلى رؤية هذا الموكب. وقد يحلم بعضنا بالذهب يتناثر من يدي قيصر على جانبي الطريق، وقد يطمع الجياع منا في طعام هنيء يأمر به قيصر، والحفاة في أحذية جديدة يوصي بصنعها قيصر، والمظلومون في العدل الذي يأمر به قيصر.
لكن الشمس تغرب، والشفق يصبغ بحمرته الدامية وجوهنا الشاحبة كشحوب أنواره.
والأصوات التي كنا نخال أنها تصم آذاننا أصبحت موجات من الصدى تنغمها الريح في الفضاء.
وفريق منا أضناهم التعب، فانصرفوا إلى بيوتهم وهم يعدون أنفسهم برؤيته في زمن قريب.
أما أنا فأقلب بين يدي الورقة التي كتبت فيها شكواي، ودفعت عليها رسم الضريبة، وأقول في نفسي أفلا يصدق الحلم فأجثوا أمام قيصر، وأقبل قدميه وأبكي؟
صفحه نامشخص