بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لا تُعنِّيني، لو كنتِ ذكرتني لفعلت (١) .
- وخرَّج مالك أن مسكينًا سأل عائشة وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف؛ فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه. فقالت: ليس لك ما تُفطرين عليه. فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلتُ. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهلُ بيت أو إنسانٌ -ما كان يُهدي لنا- شاةً وكَفَنَها (٢)؛ فدعتني عائشة، فقالت: كُلي من هذا. هذا خير من قرْصِكِ (٣) .
- وروي عنها أنها قسمت سبعين ألفًا وهي ترقع ثوبها (٤)، وباعت ما لها بمئة ألف وقسمته، ثم أفطرت على خبز الشعير (٥)، وهذا يشبه الوالي على بعض المملكة؛ فلا يأخذ إلا من المَلِك؛ لأنه قام له اليقين بقسْم الله وتدبيره مقام تدبيره لنفسه (٦)، ولا اعتراض على هذا المقام بما تقدم؛ فإن صاحبه يرى تدبير الله له خيرًا
_________
(١) أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٨/٦٧)، والدارقطني في «المستجاد» (رقم ٣٦، ٣٧) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١٦/ق ٧٣٨) -، والحاكم في «المستدرك» (٤/١٣)، وأبو نعيم في «الحلية» (٢/٤٧، ٤٩)، والبغوي في «الجعديات» (١٦٧٣) بإسناد صحيح، بألفاظ مقاربة.
ووقع في بعض طرقه أن معاوية هو الذي بعث إليها بالمال، اشترى به منها دارًا. ولا تعارض؛ فهو المرسِل، وابن الزبير المرسَل؛ إلا إذا حمل على تعدد القصة، والله أعلم. وانظر ما سيأتي عند المصنف (ص ١٥٨)، وتعليقنا عليه.
(٢) إن العرب- أو بعض وجوههم- كان هذا من طعامهم، يأتون إلى الشاة أو الخروف، فإذا سلخوه غطوه كلَّه بعجين دقيق البُرّ، وكفّنوه فيه، ثم علَّقوه في التنّور، فلا يخرج من ودكِه شيء إلا في ذلك الكفن، وذلك من طيِّب الطعام عندهم، قاله ابن عبد البر في «الاستذكار» (٢٧/٤٠٧) .
(٣) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/٩٩٧- رواية يحيى، ورقم ٢١٠٥- رواية أبي مصعب) بلاغًا عن عائشة.
(٤) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢/٤٧) .
(٥) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢/٤٧- ٤٨)، وفيه أيوب بن سويد، وهو ضعيف.
(٦) إنفاق الأموال في وجوه الخير عظيم، وهو عنوان الثقة بالله وتفويض الأمر إليه، وهذا ما كان السلف الصالح يفعله، وأما السعي في اكتساب الرزق من طرقه المشروعة؛ فهو ما يحث عليه الشرع ويستدعيه الاحتفاظ بعزة النفس وشرفها، ولا يحق للرجل أن ينكث يده من العمل وهو قادر =
1 / 14