من تدبيره لنفسه، فإذا دبّر لنفسه، انحط عن رتبته إلى ما هو دونها.
- ومنهم من يعد نفسه كالوكيل على مال اليتيم (١)؛ إن استغنى استعفَّ، وإن احتاج أكل بالمعروف، وما عدا ذلك صرفه كما يصرف مال اليتيم في منافعه؛ فقد يكون في الحال غنيًا عنه؛ فينفقه حيث يجب الإنفاق، ويمسكه حيث يجب الإمساك، وإن احتاج أخذ منه مقدار كفايته بحسب ما أذن له من غير إسراف ولا إقتار، وهذا -أيضًا- براءة من الحظوظ في ذلك الاكتساب؛ فإنه لو أخذ بحظه لحابى نفسه دون غيره، وهو لم يفعل، بل جعل نفسه كآحاد الخلق، فكأنه قسّام في الخلق يعدُّ نفسه واحدًا منهم.
وفي «الصحيح» عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الأشعَرِيِّين إذا أرمَلوا في الغَزوِ أو قلَّ طعامُ عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد؛ فهم منِّي وأنا منهم» (٢) .
_________
= عليه بدعوى أن تدبير الله له خير من تدبيره، ومن يفعل ذلك؛ فليس من الفضيلة في شيء، وليست هذه الدعوى إلا من مظاهر الكسل والإخلاد إلى الرضا مما تجود به أنعم العاملين؛ فترجع في الحقيقة إلى معنى أن تدبير الخلق له خير من تدبير نفسه.
(١) أخرج ابن شبة في «تاريخ المدينة» (٢/٦٩٤-٦٩٥، ٧٠١)، وسعيد بن منصور في «السنن» (٤/١٥٣٨ رقم ٧٨٨ -ط. الصميعي)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٢/٣٢٤ رقم ١٢٩٦٠)، وابن جرير في «التفسير» (٧/٥٨٢ رقم ٨٥٩٧)، وابن سعد في «الطبقات» (٣/٢٧٦)، والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص ١١٢)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦/ ٤-٥، ٣٥٤)، وابن الجوزي في «مناقب عمر» (ص ١٠٥) من طرق عن عمر؛ قال: «إني أنزلتُ نفسي من مال الله منزلة والي مال اليتيم، إن استغنيتُ استعففت، وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف، ثم قضيتُ»، وهو صحيح بمجموع طرقه إن شاء الله تعالى. وفي رواية أنه قال ذلك لعمار وابن مسعود ﵃ حين ولاهما أعمال الكوفة، وفيها: «إني وإياكم في مال الله ...» وذكر نحوه.
(٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الأشعريين (باب الشركة في الطعام والنَّهد والعروض) (٥/١٢٨ رقم ٢٤٨٣)، ومسلم في «صحيحه» في كتاب فضائل الصحابة (باب من فضائل الأشعريين ﵃) (٤/١٩٤٤- ١٩٤٥ رقم ٢٥٠٠) من حديث أبي موسى الأشعري ﵁.
1 / 15