151

سر الفصاحة

سر الفصاحة

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الطبعة الأولى ١٤٠٢هـ_١٩٨٢م

وأمثال هذا كثيرة فكيف يكون ذكر التنين عيبًا ولا يكون ذكر الأرقم والصل والأسود عيبًا أن ومعنى الجميع واحد. قيل له: إننا لم ننكر التنين لأجل معناه فيقال لنا: إن معنى التنين والحية واحد وإنما عبناه من أجل مدحه لأن هذه اللفظة لم تستعمل في المدح وتلك الألفاظ قد استعملت فيه وليس يمتنع أن يكون للشيء الواحد اسمان يستعمل أحدهما في موضع ويستعمل الآخر في موضع آخر وهذا شئ إنما أصله العرف والعادة دون أصل وضع الأسماء في اللغة ألا ترى أن الإنسان إذا مدح ذكر الرأس والكاهل والهامة وإذا هجا ذكر القفا والأخادع والقذال وإن كانت معاني الجميع متقاربة. وليس يحسن أن يخاطب الملوك فيقال لبعضهم وحق يا فوخك أو قمحدودتك أو أخادعك أو قذالك أو قفاك قياسًا على أن يقال له وحق رأسك لأن الاستعمال يختلف في الألفاظ وإن كان المعنى فيها غير مختلف على ما قدمناه. ومن هذا الجنس حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه في الموضع الذي لا يحسن فيه التصريح وذلك أصل من أصول الفصاحة وشرط من شروط البلاغة. وإنما قلنا في الموضع الذي لا يحسن فيه التصريح لأن مواضع الهزل والمجون وإيراد النوادر يليق بها ذلك ولا تكون الكناية فيها مرضية فإن لكل مقام مقالًا أن ولكل غرض فنا وأسلوبًا ومما يستحسن من الكنايات قول امرئ القيس: فصرنا إلى الحسنى ودق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أي إذلال لأنه كنى عن المباضعة بأحسن ما يكون من العبارة. وروى عن أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة: أنه لما أجاب أبا الجيش خمارويه بن أحمد ابن طولون عن المعتضد بالله من كتابه بانفاذ ابنته التي زوجها منه. قال في الفصل الذي احتاج فيه إلى ذكرها وأما الوديعة

1 / 163