قلما بلغ أولئك الأقوام مولانا الإمام المظفر، فما لبث أن قام في ذات الله وشمر، ودعا شوكته بكل غضنفر، فصارت الرجال بأنديته تتزاحم، والأبطال بشريف ساحته تتراكم، فأم الإمام بالجيوش للهناوي ببهلا، واستعان بذلك العزم وبالملك الأعلى، حتى ملأت العساكر وعرا وسهلا، ثم دخلها بالجحافل ليلة من الليالي، ودارت بها جميع صناديد الرجال، وشمرت عن سواعدها جحاجحة الأبطال، وكان الدخول فيها ليلة عيد الحج الحرام، فحصرها الإمام شهرين إلا ثلاثة أيام، بعد ما اشتد ما بينهم النزال والصدام، ثم أقبلت جيوش الجبور لنصرة الهناوي، فالتقتها جحافل الإمام كما رواه الراوي، فتصادمت الأبطال بالأبطال، وامتد قسطل الماقط فاستطال، حتى كفر بفرعه آفاق الخضراء وعفر عوائق الأقوام سمالق الغبراء، وقتل شجاع من جيوش الجبور، وهو الدهمشي قاسم بن مذكور، وكذلك كل مقدام للصداع مشهور، فرجعت عنه الجبور وبقي من معه محصورين، واستبشرت فئة الإمام إذ لا يزالون منصورين، فاستبد الهناوي برأي من معه من المقربين، بعد ما آيس من الناصر والمعين، في أن يقاتل ما استطاع على الدوام، أو أن يسلم الحصن لمولانا الإمام، فاتفقت آراؤهم أن يسلموا الحصن للإمام المنصور، حين انقطع عنهم الناصر وسارت عنه الجبور، فسلم الحصن وخرج منه برجاله وجميع آلة حرب وماله، وبقي الحصن بعد القوم خاليا، فأخذه الإمام وجعل فيه من جنابه واليا، ثم رجع الإمام إلى نزوى مقره حامدا مولاه على ما أولاه من خالص بره، شاكرا إذ كفاه ألم ضده ودفع ضره، ما زال منصورا ما بقيت الجوزاء والشعراء وقال المصنف في ذلك شعرا:
=""
إمام له التأييد من ربه الأعلى =فساد الملا وعرا وسادها سهلا
وعمت به الخيرات في كل بلدة =وقد ملئت من حسن سيرته فضلا
فما أحسن الدنيا وأنورها به =أكملها فعلا وأجملها عدلا
صفحه ۱۵