وقد كان إخفاؤه لهذا الهدف عنصرا من عناصر سعيه الوثيق إلى تحقيق هذا الهدف.
كان مراد دياب طلبة ابن عمدة وحفيد عمدة، وكان هذا فخرا أي فخر لأسرتهم، وطالما تناقل أبناء وأحفاد العمدة القديم عبد الستار طلبة أن التليفون لم يغادر باحة دارهم منذ ستين عاما.
وكان مراد خليقا أن يكتفي بهذا الشرف ولكنه كان يزيد على أبيه وجده بأنه نال حظا من التعليم بعد دراسته في الكتاب حتى نال الابتدائية، وقضى بعض سنوات متعثرة في التعليم الثانوي حتى وصل متقطع الأنفاس إلى الثالثة الثانوية حين كان زملاؤه قد حصلوا على التوجيهية، ودخلوا الجامعة، بينما لم يتجاوز أبوه وجده الدراسة في الكتاب، تلك الدراسة التي مكنت لهما أن يجيدا القراءة والكتابة وحفظ نصيب لا بأس به من كتاب الله الكريم، وإن كانت الأيام أنستهما ما حفظا من القرآن لأن كليهما لم يحرص على ما حفظ بلزوم القرآن ومداومة قراءته.
على أية حال كان دياب طلبة والد مراد حريصا على أن يعلم ابنه ويصل به إلى التخرج في الجامعة، وإن يكن مراد قد خذله فما كان لهذا شأن كبير عند دياب، فحسبه أن له ولدا يرث عنه العمودية بعد أن كاد يصل إلى اليأس من إنعام الله عليه بولد.
فقد ظل بلا مولود أو مولودة خمس سنوات بعد زواجه من ابنة عمه بدوية عبد الموجود طلبة.
وكان مراد أول ما من الله به عليه، وتبعته بنتان أسمى الأولى نجاح، وربما كان هذا الاسم ينبض بما كان يراوده، من نجاح أخيها في الدراسة، وأسمى الأخرى فاطمة تيمنا بستنا فاطمة كريمة النبي عليه الصلاة والسلام.
كان في صحبة مراد في المدرسة نديم راشد، وكان أبوه من الشخصيات المرموقة في حزب الوفد، وكان ينتظر الوزراء في كل مرة يؤلف فيها الوفد الوزارة.
توطدت الصداقة بين مراد ونديم. ولما كان مراد يقيم عند عمه صالح طلبة الذي كان موظفا بوزارة الأشغال بالقاهرة، فقد كانت الرقابة عليه هينة لينة لا تعنت فيها ولا حزم؛ ولذلك كان يستطيع أن يقضي وقته جميعا في غير مواعيد الدراسة في منزل فكري بك راشد مع ابنه نديم. وكان كثيرا ما يتناول غداءه مع سعادة البك في يومي الاثنين والخميس اللذين كانت الدراسة فيهما لا تستغرق إلا نصف اليوم.
وعلى مائدة الغداء في يوم من أيام الاثنين كان الجميع يعلم أن الوفد يؤلف الوزارة في تلك الساعات. وكان فكري بك في حالة من الترقب الذي يجاهد أن يخفيه بكل ما يملك السياسي من خبرة واسعة في كبت مشاعره وزجرها أن تبين منها خلجة على وجهه بله في تصرفه.
كان جالسا إلى المائدة يتلطف كل التلطف مع مراد صديق ابنه، ويعده بهدية قيمة إذا هو نجح مع نديم في الامتحان.
صفحه نامشخص