تحدر الكلام تحدر الدمع من حيث لا يملك أحد أن يفيضه أو يكفه؛ لأنه عند أسبابه الباطنة، وفي فصل «الشيخ علي» خاصة كانت روح هذا الرجل الطبيعي كأنها هي التي تكتب، وكان مريدا على طبعه وخلقه،
9
فما ملكت معه محاماة ولا دفعا. وفي فصل «الشيخ محمد عبده» كنت أشعر كأني مرتق في صعداء مطلبها طويل بعيد،
10
فلا أخطو خطوة إلا مدافعا جاذبية الأرض، وشاعرا بأني أحمل نفسي حملا؛ وكنت كالذي يطأ على أضراس الجبل الصخري وأسنانه متئدا حذرا أن يزل فيسقط سقوط اللقمة الممضوغة ... ولا ينفعه في الصخر، وشموخه، وتعاليه أنه كان في عريض السهل عداء لا يلحق! •••
من الحب رحمة مهداة؛ فإذا كنت مع الله كانت كل أفكارك صورا روحانية؛ فأنت كالملك: هو في الأرض ما هو في السماء. ومن الحب نقمة مسلطة؛ فإذا كنت مع الشياطين كانت كل أفكارك صورا حيوانية، فأنت كهذا المتجهم الطياش
11
الذي لو نظر في كل مرائي الدنيا ما رأى في جميعها غير وجه القرد؛ لأنه القرد !
والناس في هذا الحب أصناف: فواحد يجاهد زلات قد وقعت، وهو المحب الآثم؛ وآخر يجاهد شهوات تهم أن تقع، وهو المحب الممتحن؛ وثالث أمن هذه وهذه، وإنما يجاهد خطرات الفكر، وهو المحب ليحب فقط؛ ورابع كالقرابة والصديق: عجز الناس أن يجدوا في لغاتهم لفظا يلبس هذه العاطفة فيهم؛ فألحقوها بأدنى الأشياء إليها في هذا المعنى، وهو الحب. وعلى الثالث وحده بنيت «رسائل الأحزان»، وعلى بعض الرأي في الباقيات كسرت هذا الكتاب.
من للمحب ومن يعينه
صفحه نامشخص