وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه.
وتذهب طائفة من الروايات إلى أن بني أمية هم الذين أرادوا أن يثيروا الثائرة بين بني هاشم وأبي بكر، قيل لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله إني أرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان! أين الأذلان علي والعباس! وأنشد يتمثل:
ولا يقيم على ضيم يراد به
إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف محبوس برمته
وذا يشج فلا يبكي له أحد
على أن الروايات التي ذكرها هذا الحديث لأبي سفيان تكاد تجمع على أن عليا أبى أن يتابعه، وأنه قال له: «إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت الإسلام شرا!» أو قال له: «يا أبا سفيان، طالما عاديت الإسلام وأهله فلم تضره بذلك شيئا، إني وجدت أبا بكر لها أهلا.» •••
والذين ينفون تخلف علي عن البيعة يذهبون إلى أن روايات تخلفه قد وضعت من بعد، ويرجحون أنها وضعت في عهد العباسيين لغايات سياسية، ويقولون إنها استندت إلى واقعة متفق على صحتها، ولكنها لا تتصل بالبيعة في قليل ولا كثير، هذه الواقعة أن فاطمة ابنة النبي والعباس عمه أتيا أبا بكر بعد استخلافه يطلبان ميراثيهما من رسول الله في أرض فدك وفي سهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: «أما إني سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.» إنما يأكل أهل محمد في هذا المال، وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته.» فغضبت فاطمة لذلك وهجرت أبا بكر فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر، وقد مكثت فاطمة ستة أشهر بعد وفاة أبيها، وكان علي يغاضب أبا بكر غضبا لها، فلما ماتت مال إلى مصالحته وصالحه.
هذا حديث فاطمة وعلي ومقاطعتهما أبا بكر بعد بيعته، أما ما يضاف إلى هذا الحديث من أن عليا امتنع من البيعة إلى أن ماتت فاطمة، وأن أبا بكر ذهب بعد ذلك إليه في منزله فألفاه في بيت بني هاشم، وأن عليا قام حين ذاك وقال: إنه لم يمنعنا من أن نبايعك إلا أنا كنا نرى لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا. وأن أبا بكر ذكر في جوابه: «والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير.» أما ما يضاف من ذلك كله فيرده من ينفون تخلف علي عن البيعة بأن الحديث لم يتخط هذه الأموال، وأن فاطمة والعباس ما كانا ليطالبا أبا بكر بها قبل أن يبايعه المسلمون جميعا بالخلافة؛ لأنه لم يكن له قبل ذلك في أمرها رأي.
يرجح أكثر الذين ينفون التخلف عن البيعة أن روايات هذا التخلف وضعت في عهد العباسيين لغايات سياسية؛ أما سائرهم فيرجحون أنها وضعت قبل ذلك، ومنذ اختلف بنو هاشم وبنو أمية على الأمر إبان حروب علي ومعاوية.
صفحه نامشخص