شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
76

شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

ژانرها

وأغرب من ذلك أنه لم يقل لنا كيف يعرف الصانع حاجته، وكيف ينالها بغير بخس ولا محاباة، وكيف تدار المصانع على سنة العدل والمساواة بعد زوال رأس المال واستيلاء الأجراء على المصانع وموارد الأرزاق.

فهذا العالم الذي يؤكد لنا أنه يحلم كما يحلم الطوبيون من الاقتصاديين الرعاع، يزعم أنه يعلم - ولا يغرق في النوم والحلم - حين يتنبأ لنا عن مجتمع يزول منه رأس المال، فيطلب فيه كل فرد حاجته بغير زيادة وينالها لساعتها بغير نقصان، ويخدمه مديرون ورؤساء لا يحرصون على مزية الرياسة ولا يحتالون على البقاء فيها، وأن المنافسات التي تنبعث من تفاوت الحظوظ في الذكاء والقدرة والجمال والصحة وكثرة النسل لن يكون لها عمل بعد زوال رأس المال، وأن «الفلوس» وحدها هي التي تعمل كل شيء ولا عمل بعدها - بتة - للتمايز بالحظوظ والأقدار.

من صدق هذا فليس بالعسير عليه أن يصدق طوبى من طوبيات الحالمين، وعلم الله ما رأينا أناسا يجلسون مجلس الجد للبحث العلمي في هذه الخرافات إلا عبرت أمامنا صور الأطفال الصغار، وهم يلبسون اللحى الطوال؛ ليمثلوا هيبة القضاء بين ألاعيب الفراغ.

وما كانت النبوءة عن المجتمع «بلا عملة فائضة» هي خاتمة النبوءات عند هؤلاء العلماء المحققين غير الحالمين وغير الواهمين، فإنه ليكفي عندهم أن يقول القائل: إنني عالم غير حالم، وإنني أدين بالمادة ولا أدين بما وراءها؛ ليجوز له الشطح الذي لا يجوز لأحد، ولا يستند فيه إلى سند. وهذه نبوءاتهم عن عاقبة الأطوار الاجتماعية رحلة قريبة جدا إلى جانب النبوءة التالية عن عاقبة الأطوار المادية، فإن «إنجلز» صفي «ماركس» يعلم علما ليس بالحلم «أن المادة تتحرك في دورات أبدية تستتم كل دورة مداها في دهر من الزمان، تلوح السنة الأرضية إلى جانبه كأنها عدم، دورة تلوح فيها فترة التطور الأعلى - ونعني بها فترة الحياة العضوية التي يتوجها الوعي الذاتي - شيئا صغيرا بالقياس إلى تاريخ الحياة وتاريخ الوعي نفسه، دورة تكون فيها كل هيئة خاصة من هيئات المادة - سواء كانت شمسا أو سديما، أو كانت حيوانا أو نوعا كاملا من أنواع الحيوان، أو كانت تركيبا كيميا أو انحلالا كيميا - أبدا في تحول وانتقال، دورة لا يدوم فيها إلا المادة المتغيرة أبدا، وإلا ناموس التغير الأبدي والحركة الأبدية. ومهما تتكرر هذه الدورة ويبلغ من قسوة تكرارها في الزمان والمكان، أو مهما يطل الانتظار قبل أن تبرز هنا أو هناك منظومة شمسية أو كوكب تتهيأ عليه البيئة للحياة العضوية، ومهما ينشأ أو ينقرض من الخلائق قبل أن تنجم بينها أحياء تفكر بأدمغتها، وتجد لها ملاذا يسمح بالحياة - ولو إلى فترة وجيزة - فإننا مع هذا لعلى يقين أن المادة في كل تغيراتها تظل أبدا واحدة وأبدا كما هي، وإنها لن تفقد صفة من صفاتها، وإن تلك الضرورة الحديدية التي تقضي بزوال أرفع زهرات المادة - وهي القوة المفكرة - هي بعينها تقضي بميلادها كرة أخرى في زمان آخر.»

نعم، هذه هي النبوءات الراسخة عن مصير الأطوار الاجتماعية ومصير الأطوار الكونية، ومن شروطها المسلمة أنها بغير دليل ولا محاولة للدليل، وهل يلزم الإنسان أن يدلل على صحة كلام بعد قوله في فاتحة كل دعوى من دعاويه: إنه يؤمن بالمادة ولا يؤمن بالأحلام؟

حقوق الفرد

إذا كان غرض البحث في حقوق الفرد وحقوق الجماعة أن نوازن بينهما، ونقدم بعضها على بعض، فليس عند «المادية التاريخية» أدب خاص تضيفه إلى التراث العريق من آداب الأمم في تقدير الفرد عامة، ولا في تقدير الفرد الممتاز أو الفرد العظيم.

فمن قديم الزمن، فرغ الناس من هذه الموازنة واتفقوا على أن حقوق الجماعة أولى بالتقديم من حقوق الأفراد ، وأن حق الفرد إذا وقف في طريق الجماعة وجبت التضحية به لخدمة الجماعة وتغليب مصالحها العامة على كل مصلحة فردية.

في هذه المسألة لا يوجد قولان.

وإذا رجعنا إلى آداب الجماعات الأولى لنعرف موضع المغالاة فيها، فمما لا نزاع فيه أن المغالاة في حقوق الجماعة أعم وأقوى من المغالاة في حقوق الفرد على حدة أو حقوق الأفراد متفرقين، وما كان فرد من الأفراد ليعظم في قومه ما لم يكن له فضل في الذود عنهم، ومعونة عائلهم، وإطعام جائعهم، وإيواء شريدهم، ولا خلاف بين رأيين في أن الموئل الأخير لحق الفرد هو مصلحة الجماعة بحذافيرها، فلا حق للفرد العظيم في التعظيم إلا أن تكون مصلحة الجماعة ملحوظة في إكبار العظمة والاعتراف بأفضال ذويها.

صفحه نامشخص