155

شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

ژانرها

فالتنظيم والتأميم خطتان لا مناص منهما مع اتساع العلاقات العالمية، وارتباط المعاملات بين الأمم في شئون الزراعة والاقتصاد وشئون الإصدار والإيراد، ومن نتائج هذا التنظيم والتأميم أن «تتركب» الأوضاع الديمقراطية في ميدان عالمي متضامن متكافل بعد انحصارها في حدود كل أمة من الأمم، التي كانت تستغني عن التوفيق بين أحوالها والأحوال العالمية، فتستغني بذلك عن التنظيم والتأميم.

ويتمشى مع هذا الاتساع العالمي اتساع مثله في الحقوق السياسية، يقضي به اشتراك جماعات من الجماهير في الحكم، لم يكن لها من الحكم نصيب كبير ولا صغير.

هذه الجماهير لا بد لها من مفتتح في هذا المجال، تفتتح به تجاربها على نحو من الأنحاء، ولا بد أن تتعثر في هذا المفتتح إلى حين، ريثما تدرك ما حولها من العلاقات القومية والعلاقات العالمية حق إدراك، فلا تنخدع بالسهولة التي ينخدع بها من يقضي حياته - كما انقضت حياة آبائه من قبله - بمعزل عن مسائل الحكم وكفاياته وكفايات القائمين به والمتطلعين إليه، فإذا استقر بها القرار عند حدودها التي تعرفها باختيارها أو تقسرها الضرورة على عرفانها، فهذه الحالة المنظورة أدنى إلى الديمقراطية من حالة العزلة التي حجبت تلك الجماهير عن واجباتها وحقوقها، وتركتها عرضة للخداع والتضليل ممن يقصدون خداعها وتضليلها أو ممن ينقادون بها - أو معها - مخدوعين مضللين.

وسينتهي الشطط في استخدام الحقوق السياسية لا محالة، متى انتهت كل طائفة من طوائف المجتمع إلى حدودها، وعلمت أنها عاجزة عن تجاوز هذه الحدود للجور على الطوائف الأخرى؛ لأن الطوائف الأخرى تملك مثلها سلاح الدفاع عن حقوقها ومصالحها بحكم القانون الصادر من الجميع لمصلحة الجميع.

ولم تصل طوائف المجتمعات في الأمم المختلفة إلى هذا الحد الذي يمتنع فيه الجور من طائفة على أخرى، فإن الطوائف الوسطى في أكثر المجتمعات لا تزال محرومة من سلاحها الاجتماعي، الذي تذود به شطط العلية وشطط الجماهير، ولا تزال مكتوفة اليدين أمام سلاح النفوذ والجاه من جهة، وسلاح الإضراب والشغب من الجهة الأخرى، فإذا وجد في يديها سلاحها الاجتماعي - ولا بد أن يوجد مع الزمن؛ لأنه مطلب تدعو إليه مصلحة الجميع، كما تدعو إليه ضرورة الدفاع عن الذات - فهنالك تنتظم الحقوق السياسية قسرا بين أناس لا يملك بعضهم أن يجور على بعض، ولا يعجز فريق منهم عن دفع هذا الجور إذا اجترأ عليه فريق يشتط في طلب الحقوق، وتقوم الديمقراطية يومئذ بقوة الدفاع عن الذات، كما تقوم بقوة العقيدة والإيمان. •••

ولعلنا - في المجتمع المتزن المنتظم - نفرغ من غاشية الحقوق التي استفحلت في العصر الحديث حتى أصبح لها وبال لا يقل في خطره عن وبال الظلم والغشم في عصور الظلمات؛ لأن ادعاء الحقوق لا يقل عن جهل الحقوق في سوء عقباه.

وقد غبرت على الناس عصور كانوا يجهلون فيها حقوقهم، ولا يفرغون فيها من الواجبات المفروضة عليهم، كانوا مثقلين بالواجبات ممطولين في حقوقهم؛ بل ساكتين عنها يجهلونها ولا يطلبونها.

كانت هنالك واجبات الدين، وواجبات العرف، وواجبات الحاكم، وواجبات السادة على العبيد، وواجبات الآباء على الأبناء، وواجبات الكبار على الصغار، ولم تكن هنالك حقوق إلا الحق الإلهي الذي كان يدعيه مدعيه لإنكار جميع الحقوق.

فلما نهضت الأمم للمطالبة بحقوقها لم تظفر بها على هينة وهوادة، ولم تزل تجاهد فيها حتى بلغتها من غاصبيها، واستدارت إلى أنفسها تطالب بعضها بعضا بما يتخيله من حقوق مهضومة عند المجتمع المحيط بالطالبين والمطلوبين، إذ كانت بدعة المجتمع وتبعاته قد ظهرت في أوانها مع ظهور مظالم الطبقات ودعاوى الطبقات، وأوشك الأمر أن ينتقل جملة واحدة من كفة الواجبات إلى كفة الحقوق؛ لأننا لا نسمع إلا أحاديث عن حقوق كثيرة، ولم يذكر فيما بينها شيء من الواجبات.

حق الرعية، حق الجيل الجديد، حق المرأة، حق الطفل، حق العامل، حق الزارع، حق الكتابة، حق الخطابة، حق الاحتجاج، حق السخط والقلق ومركبات النقص والعقد النفسية، وظروف الحياة القاسية، وظروف الحياة التي توصف بما شاء المدعون من الصفات، إلى آخر هذا الطوفان المتدفق من الحقوق.

صفحه نامشخص