153

شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

ژانرها

وحكاية الطبقة أهم من مسائل الدين والوطنية والأسرة والملكية الخاصة على شدة الاهتمام بها عند أصحاب التفسير المادي للتاريخ؛ لأن الطبقة الواحدة هي غاية التاريخ الإنساني كله في رأيهم، وهي الأمل الذي يترقبونه، والعذر الذي يعتذرون به لكل موبقة يستبيحونها في سبيله، ومضت السنون الأربعون، ولم تفلس نظرية من نظرياتهم العديدة، كما أفلست هذه المسألة المحيطة بها من فواتحها إلى خواتيمها، فلم يبطل قيام الطبقة الحاكمة بعد انتهاء الاستغلال على أيدي أصحاب الأموال، وقامت طبقة جديدة تتحكم في المجتمع على نحو لم يؤثر قط في بلد من البلدان عن أصحاب رءوس الأموال، لأن أصحاب رءوس الأموال يشركون معهم في الأمر خبراء الصناعة ومهندسيها ومديري المصانع بالمعرفة الهندسية أو بالمعرفة الاقتصادية، وأما هذه الطبقة الجديدة التي نشأت في المجتمع الشيوعي، فهي طبقة الخبراء والمهندسين وعلماء الاقتصاد مستقلة عن أصحاب رءوس الأموال، أو أصحاب الأسهم في الشركات.

وتفاوتت درجات المعيشة مع تفاوت الطبقات، فعرضت في واجهات الحوانيت سلع تباع بألوف الجنيهات، وظهر الساسة والرؤساء بأزياء أغلى أو أفخر من أزياء نظرائهم في بلاد الماليين، وتناسق البذخ في المساكن والمركبات والولائم والمطاعم مع هذا البذخ في الشارة والكساء.

وتتمة الإفلاس في أمر الاستغلال وأثره في قيام الطبقة الحاكمة، أن استغلال أصحاب رءوس الأموال بطل، ولم يبطل معه قيام السيطرة الجائرة التي تغتفر إلى جانبها سيطرة القياصرة العتاة في أظلم العصور، وبدا للعارف والجاهل أن ختام الطبقات القديمة لم يختم وسائل الطامحين إلى الطغيان بالحيل السياسية أو التنظيمات الحزبية، فإن «ستالين» قد استطاع بحيلة من حيل التنظيم أن يخضع مئات الملايين من الروسيين وجيرانهم لطغيانه الساحق زهاء ثلاثين سنة، كان في خلالها يشير بإصبعه، فيقضي على عشرات الزعماء وعلى المئات والألوف ممن يلوذ بهم في الحقيقة أو الخيال، وبقي ظل الإرهاب الكثيف الذي بسطه على البلاد ثلاث سنوات بعد موته، لم يجسر أحد من القادة أن ينبس في خلالها بلفظة عابرة في انتقاده، حتى انقشع ذلك الظل الكثيف شيئا فشيئا، وخفت وطأة الرهبة التي كان يرسلها عليهم من وراء قبره، فقالوا عنه أبشع ما يقوله عدو من ألد الأعداء، وكان فيما قالوه عنه ما لم يقله أحد عن أشهر القياصرة بالظلم والفساد.

ترى فيم ذهبت أرواح الملايين من القتلى والمعذبين وضحايا المجاعة والتشريد؟ ماذا كان يصيب روسيا وجيرانها من سوء الحكم أسوأ من هذا المصاب؟

كانت على أسوأ الفروض، وفي أحلك العهود، تفقد آلافا من ضحايا المجاعة أو الاضطهاد، فإذا كان حساب الأرواح مقدما على كل حساب، فهذا هو حساب الفرق في الثمن والغنيمة بين أسوأ العصور وعصر الشيوعية الذهبي كما قدروه وفرضوه؟

هل تساوي الغنيمة ثمنها بعد هذا الحساب؟

وهل بعد هذا الحساب يؤمن المفسدون المطبوعون على الشر بفداحة الثمن، ويقلعون عن التجربة التي أغراهم بها من قبل، وثوقهم الأعمى بشخاشخ المذهب الذي لم يتماسك قط في محك النظر، ولا في محك التجربة والتطبيق؟

كلا.

بل هم يطلبون في فرصة أخرى تشمل العامل كله؛ لأن التجربة في مائتي مليون من أبناء هذا العالم لا تكفي، ولا تشبع النهم إلى الشر في نفوس الأشرار.

لا بد من تعطيل دعوات الإصلاح في جميع الأمم، وتكرير الضحايا على هذه النسبة بمئات الملايين بعد عشراتها في التجربة الروسية، عسى أن تفلح في الكرة الأرضية دفعة واحدة بعد أن خابت أربعين سنة في بلاد القياصرة وما جاورها، وماذا على الدنيا لو أمهلت هؤلاء الدعاة أربعينين أو ثلاث أربعينات يهلكون فيها من يهلكون على وعد «شرف» منهم بالنتيجة التي يضمنونها على هذا المنوال؟

صفحه نامشخص