شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
107

شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

ژانرها

8

وأن الشعر الغنائي لا يدل على أطوار المجتمع دلالة الشعر التمثيلي أو شعر الملاحم. ولسنا نعلم أن هذا القول من الأقوال المسلمة في عرف النقاد الماديين أو مدارس النقد الأخرى، إذ من المعلوم أن الشعر الغنائي يتناول المديح وهو كبير الدلالة على شئون الرئاسة في الأمة، ويتناول الغزل وهو كبير الدلالة على شئون المرأة فيها، ويتناول الرثاء والهجاء، وهما معياران صادقان للمحاسن والمساوئ وآداب الناس في حالتي الحزن والغضب. أما شعر الملاحم فقد رأينا شواهده في الملاحم الشعبية التي شاعت بين المصريين، وكان في شيوعها هذا تفنيد لما يراه الماديون من وظيفة الأدب وعلاقته بالطبقة الحاكمة أو بالطبقة التي تسيطر على وسائل الإنتاج.

إلا أننا نعمد إلى الشعر التمثيلي في ديوان شاعر من أكبر شعرائه في لغات الحضارة وهو «وليام شكسبير»، وننظر إلى شخصيات ملوكه وأمرائه وملكاته وأميراته، فلا نجد فيها مسوغا للقول بخدمة الأدب لنظام الدولة القائمة، وقد نجد فيها مسوغا للقول بالسخط على أولئك الملوك والملكات؛ لأنهم مصورون في روايات الشاعر على صورة منفرة توجب الحذر والريبة، إن لم توجب التمرد والثورة.

ويأتي بعد «شكسبير» شاعر آخر يقاربه في النبوغ ويحسب بين خمسة أو ستة من شعراء الملاحم وهو «جون ملتون» صاحب الفردوس المفقود، فلا ثورة فيه على قواعد النظام الاجتماعي، ولا يجوز لنا أن نتخذ من صورة الشيطان في الملحمة أنها صورة الخلائق المحمودة أو صورة الخلائق المرذولة في زمانه، وأصدق ما يقال فيها: إنها صورة فنية تترجم عن شعور «ملتون» بخلائقه الفردية أو الاجتماعية على السواء.

وإذا كررنا بالنظر راجعين إلى أعلام الشعر التمثيلي في اليونان لم نستطع أن نعرف منه أنه مرتبط بنظام السادة والأرقاء، ولم يخطر على بال قارئه أنه منظوم لاستبقاء وسائل الإنتاج، إلا أن يكون في البال هوس ينثني به إلى ذلك الخاطر ليبحث عنه بين زوايا السطور.

وأي بديهة سلمت من ذلك الهوس يخفى عليها أن الآداب والفنون هي منافس الطبع البشري التي يلوذ بها من وطأة المعيشة، وليست ضرورة أخرى يضيفها الطبع البشري إلى تلك الضرورات؟

إن طبيعة الإنسان تتنسم من جانب الآداب والفنون نسمات الحرية التي تتفقدها في عالم الضرورات والأثقال فلا تهتدي إليها، وقد ترددت موضوعات الحماسة والحرب في آداب الأمم وفنونها؛ لأنها تجد هذه الحرية في عالم البطولة والعاطفة وتشعر شعور الإنسان الحي، لا لأنها تشعر شعور «المخلوق الاقتصادي» الذي يرسمه لنا الماديون في أسواق البيع والشراء. ومن البلاء على الطبع الإنساني أن نسلط عليه الضرورة تطارده في عالم الخيال كما تطارده في عالم السعي والدأب، وأن تتراءى أمامه في منافذ الأحلام فيسمعها مع الغناء كما يسمعها مع ضجيج الآلات، ويبصرها مع الصورة والتمثال كما يبصرها مع الأفران والقدور. وهذه صفحات الآداب الإنسانية تمتلئ بالأحلام التي وجدها الناس في آدابهم وفنونهم لأنهم لم يجدوها في أعمالهم ومساعيهم، ولم تكن هذه الأحلام عبثا خاويا ولا علالة فراغ، لأنها حوافز النفس البشرية إلى تقريب البعيد وتحقيق المحال، وما كان لها من سبيل إلى الطيارة لولا الحصان الطيار وبساط الريح، ولم يكن الحالم بالفص المسحور وقمقم المارد صاحب مصنع يبحث عن زر الكهرباء ومرجل البخار، ولكنه صاحب خيال يحلم للإنسانية، ويلقي بأحلامه إلى ذمة الغيب فتخرج في أوانها من حيز الحلم إلى حيز العيان. •••

ويحق لنا أن نقول: إن أسوأ الآداب والفنون في عرف الماديين التاريخيين أوفق للطبقة المظلومة من آدابهم وفنونهم كما يرتضونها، وكما يحبون أن يفرضوها على تلك الطبقة.

وأسوأ الآداب والفنون في عرفهم هي تلك التي يسمونها آداب «البرج العاجي» أو فنون البرج العاجي، ويريدون بها كل فن يشغل بوصف محاسن الطبيعة، أو وصف المناظر على عمومها لزينتها وجمالها دون ما يتبعها من المنفعة الاقتصادية أو من الأثر في أحوال المعيشة.

وأول ما نلاحظه على هذا التعريف للأدب المسمى بأدب «البرج العاجي» أنه لا وجود لمثل هذا الأدب، ولا وجود لفن قط يعلمنا أن ننتبه للزينة والجمال، ويتجرد على اليقين من الأثر في أحوالنا المعيشية وإن يكن أثرا غير مقصود أو غير مباشر. وليكن فن «البرج العاجي» هذا مقصورا على وصف حدائق الزهر أو جداول الماء أو ما شاكل ذلك من مناظر الطبيعة التي نراها فيما حولنا، فإن هذا لا يجعل الوصف من أدب اللغو والفضول؛ لأن حدائق الزهر لها محل في كل مجتمع نظيف متقدم، وما كان له محل في المجتمع فمن الجائز - بل من الواجب أن يكون له محل في صفحات الآداب وآيات الفنون.

صفحه نامشخص