شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
105

شیوعیت و انسانیت در شریعت اسلام

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

ژانرها

فالعصر الذي نشأ فيه الشعر العربي كان على حسب تقسيم الماركسيين عصر السادة والأرقاء، كان في البادية على أيام الجاهلية قليل من الأرقاء يعملون في الصناعات وسائر الأعمال اليدوية، ثم تجمعوا في الموانئ على شواطئ العراق بعد قيام الدولة العباسية، ثم اجتمع من الموالي والمماليك ألوف مجندون في الجيش، ما برحوا يتكاثرون ويستأثرون بمناصب القيادة والرئاسة، حتى آل إليهم الملك وضعف سلطان الخلافة والوزارة بالقياس إلى سلطانهم، وهذه أطوار في نظام السادة والأرقاء لم يحدث لها نظير في الأمم الغربية، فهي أصدق المراجع لتصحيح الآراء في أمر الأدب وعلاقته بنظام الإنتاج، وهي أقوى تفنيد لرأي الماديين التاريخيين في ارتباط الأدب والفن بالطبقة والتهوين فيهما من أثر البواعث الحيوية والإنسانية؛ بل الطبيعة التي تحيط بجميع الأحياء.

فالشعر - وهو الفن العربي الأول - قد بقيت له أبواب الفخر والغزل والمديح والرثاء والهجاء من أيام الجاهلية إلى أيام الدول الإسلامية في المشرق والمغرب، وقد بقيت مقاييس الحمد والذم فيه مرعية بين أيام الأرقاء الأولى وأيامهم الأخيرة وفي أيديهم الصولة والصولجان، ولما اختلفت موضوعات الغزل كان اختلافها في دول الأندلس؛ حيث لا يوجد الرؤساء المتحكمون من المماليك والموالي كاختلافها في دول العراق وفارس ومصر حيث وجد الرؤساء من مماليكها ومواليها، ولما اضطربت أمور الدول الإسلامية، واختلت دعائم الأمن فيها وسرى الضعف إلى اللغة الفصحى من أثر الاضطراب والاختلاط كان النشاط الأكبر لتحرير اللغة وجميع مفرداتها وتصنيف موسوعاتها في دولة المماليك وعلى أيدي أناس من الأعاجم، ولم ينهض هؤلاء وهؤلاء لتحرير اللغة العربية الفصحى؛ لأنها لغة أمهاتهم وآبائهم، ولكنهم نهضوا هذه النهضة؛ لأنها لغة العقيدة التي يدينون بها ولغة الثقافة العامة التي يلتقي فيها أبناء الأمة العربية وأبناء الأمم الأعجمية.

ولقد سأل السائلون: ماذا كان أثر النظام القائم على الأرقاء في أدب اليونان وفي شعر يوربيدس وارستفان واسكايلوس وسفوكليس وغيرهم من الشعراء والحكماء؟

وسألوا هذا السؤال وعجز المسئولون عن جوابه، وأحرى من ذلك بالسؤال نظام السادة الأرقاء وأثره في موضوعات الشعر العربي ومقاييس الحمد والمذمة فيه، فإن العجز في جواب هذا السؤال على وفاق المذهب المادي لأظهر من العجز في جواب السؤال عن أدب اليونان الأقدمين؛ لأننا هنا أمام أثر الفكرة في ناحية، وجميع الآثار المزعومة في الناحية الأخرى بين شتى الأقوام والبيئات واللغات والأزمنة ووسائل الإنتاج.

ولدينا في مصر شاهد يضارع هذا الشاهد في قوته وتفنيده للسخافة المادية، وذاك هو الشاهد الذي نستمده من أدب مصر «الشعبي» خلال عصر المماليك من أواخر الدولة الفاطمية إلى أوائل القرن العشرين.

فإذا زالت من آداب الأمم جميع الشواهد التي ترجع بالأدب والفن إلى البواعث الحيوية الإنسانية، كان هذا الأدب الشعبي في مصر قائما وحده بالبرهان المكين على هذه الحقيقة، التي لم تبطلها قط تجربة من التجارب الإنسانية. «على أي موضوع كان الأدب الشعبي يدور بمصر منذ القرن السادس للهجرة؟

إنه كان يدور على ملاحم أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة والزير سالم وسيف ابن ذي يزن وغيرهم من أبطال هذا الطراز.» «وقد اختلفت الهيئة الحاكمة خلال هذه القرون من الدولة الفاطمية إلى الأيوبية إلى دولة المماليك إلى الدولة العلوية.

واختلفت الأحوال الاقتصادية من رواج النقل في تجارة الشرق والغرب إلى انقطاع الصلة بينهما، إلى نشأة الزراعة القطنية، إلى تجدد المعاملات التجارية بين القارات الشرقية والغربية.

وفي جميع هذه القرون كانت قصة أبي زيد هي هي، وقصة الزير سالم على نسختها الأولى، وقصة الذوين والتبابعة مسموعة في القرن الثالث عشر كما كانت تسمع قبل ذلك بثلاثة قرون أو أربعة. وهذا هو رأي الشعب في الأدب الشعبي، لا سلطان عليه للطبقة الحاكمة، لأن هذه الطبقة الحاكمة كانت تجهل اللغة التي نظمت بها قصائد السيرة الهلالية وما شابهها؛ ولأن قبائل بني هلال وبني تغلب وبني من شئت من الآباء لم يكن لها سلطان على الدولة الحاكمة، ولا كانت الدولة الحاكمة معتزة بهم أو جارية في نظام المجتمع على مثالهم.

إن هذه الملاحم حقيقة واقعة، وإن غرام الشعب بها حقيقة واقعة، وإن ثباته على الافتتان بها مع اختلاف الدول والأحوال الاقتصادية والطبقات الحاكمة حقيقة واقعة.

صفحه نامشخص