ولو قال المشنع: أنتم تقولون: إن آل الحسين سبوا لما قتل الحسين ولم يفعل بهم إلا من جنس ما فعل بعائشة حين استولى عليها، وردت إلى بيتها، وأعطيت نفقتها. وكذلك آل الحسين استولى عليهم، وردوا إلى أهليهم، وأعطوا نفقة، فإن كان هذا سبيا واستحلالا للحرمة النبوية، فعائشة قد سبيت واستحلت حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشنعون ويزعمون أن بعض أهل الشام طلب أن يسترق فاطمة بنت الحسين، وأنها قالت: لا ها لله حتى تكفر بديننا. وهذا إن كان وقع الذين طلبوا من علي رضي الله عنه أن يسبي من قاتلهم من أهل الجمل وصفين ويغنموا أموالهم، أعظم جرما من هؤلاء، وكان في ذلك لو سبوا عائشة وغيرها.
ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من علي كانوا متدينين به مصرين عليه، إلى أن خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك. وذلك الذي طلب استرقاق فاطمة بنت الحسين واحد مجهول لا شوكة له ولا حجة، ولا فعل هذا تدينا، ولما منعه سلطانه من ذلك امتنع، فكان المستحلون لدماء المؤمنين وحرمهم وحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكر علي أعظم منهم في عسكر بني أمية، وهذا متفق عليه بين الناس، فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي رضي الله عنه هم شر من شرار عسكر معاوية رضي الله عنه. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهم.
والرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل، وأقرب إلى الكفر والنفاق، لكنهم أعجز منهم وأذل، وكلا الطائفتين من عسكر علي، وبهذا وأمثاله ضعف علي وعجز عن مقاومة من كان بإزائه.
والمقصود هنا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما هو أعظم منه في حق علي. فإن أجابوا عن ذلك: بأن عليا كان مجتهدا فيما فعل، وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير.
صفحه ۵۳