فلنشرع فى جواب واحد واحد من ذلك وحله، فنقول أما الأجسام السماوية فإن فيها مذهبين، مذهب من يرى أن كل كوكب يجتمع منه ومن عدة كرات قد دبرت بحركته جملة جسم كحيوان واحد فتكون حينئذ كل واحدة من الكرات يتم فعلها بعدة أجزاء ذوات حركة فتكون هى كالآلات، وهذا القول لا يستمر فى كل الكرات، ومذهب من يرى أن كل كرة فلها فى نفسها حياة مفردة وخصوصا ويرى جسما تاسعا ذلك الجسم واحد بالفعل لا كثرة فيه، فهؤلاء يجب أن يروا أن إسم النفس إذا وقع على النفس الفلكية وعلى النفس النباتية فإنما يقع بالاشتراك، وأن هذا الحد إنما هو للنفس الموجودة للمركبات، وإنه إذا احتيل حتى تشترك الحيوانات والفلك فى معنى إسم النفس خرج معنى النبات من تلك الجملة، على أن هذه الحيلة صعبة، وذلك لأن الحيوانات والفلك لا تشترك فى معنى إسم الحياة ولا فى معنى إسم النطق أيضا لأن النطق الذى هاهنا يقع على وجود نفس لها العقلان الهيولانيان وليس هذا مما يصح هناك على ما ترى، فإن العقل هناك عقل بالفعل، والعقل بالفعل غير مقوم للنفس الكائنة جزء حد للناطق، وكذلك الحس هاهنا يقع على القوة التى تدرك بها المحسوسات على سبيل قبول أمثلتها والانفعال منها، وليس هذا أيضا مما يصح هناك على ما ترى، ثم إن اجتهد فجعل النفس كمالا أول لما هو متحرك بالإرادة ومدرك من الأجسام حتى تدخل فيه الحيوانات والنفس الفلكية خرج النبات من تلك الجملة، وهذا هو القول المحصل، وأما أمر الحياة والنفس فحل الشك فى ذلك على ما نقول إنه قد صح أن الأجسام يجب أن يكون فيها مبدأ للأحوال المعلومة المنسوبة إلى الحياة بالفعل، فإن سمى مسم هذا المبدأ حياة لم تكن معه مناقشة، وأما المفهوم عند الجمهور من لفظة الحياة المقولة على الحيوان فهوأمران، أحدهما كون النوع موجودا فيه مبدأ تصدر تلك الأحوال عنه أو كون الجسم بحيث يصح صدور تلك الأفعال عنه، فأما الأول فمعلوم أنه ليس معنى النفس بوجه من الوجوه، وأما الثانى فيدل على معنى أيضا غير معنى النفس، وذلك لأن كون الشىء بحيث يصح أن يصدر عنه شىء أو يوصف بصفة يكون على وجهين، أحدهما أن يكون فى الوجود شىء غير ذلك الكون نفسه يصدر عنه ما يصدر مثل كون السفينة بحيث تصدر عنه المنافع السفينية وذلك مما يحتاج إلى الربان حتى يكون هذا الكون، والربان وهذا الكون ليس شيئا واحدا بالموضوع، والثانى أن لا يكون شىء غير هذا الكون فى الموضوع مثل كون الجسم بحيث يصدر عنه الإحراق عند من يجعل نفس هذا الكون الحرارة حتى يكون وجود الحرارة فى الجسم هو وجود هذا الكون، وكذلك وجود النفس وجود هذا الكون على ظاهر الأمر إلا أن ذلك فى النفس لا يستقيم، فليس المفهوم من هذا الكون ومن النفس شيثا واحدا، وكيف لا يكون كذلك والمفهوم من الكون الموصوف لا يمنع أن يسبقه بالذات كمال ومبدأ ثم للجسم هذا الكون، والمفهوم من الكمال الأول الذى رسمناه يمنع أن يسبقه بالذات كمال آخر لأن الكمال الأول ليس له مبدأ وكمال أول، فليس إذن المفهوم من الحياة والنفس واحدا إذا عنينا بالحياة ما يفهمه الجمهور، وإن عنينا بالحياة أن تكون لفظة مرادفة للنفس فى الدلالة عل الكمال الأول لم نناقش، وتكون الحياة
صفحه ۱۵