فنقول إنا إذا عرفنا أن النفس كمال بأى بيان وتفصيل فصلنا الكمال لم نكن بعد عرفنا النفس وماهيتها بل عرفناها من حيث هى نفس، وإسم النفس ليس يقع عليها من حيث جوهرها بل من حيث هى مدبرة للأبدان ومقيسة إليها، فلذلك يؤخذ البدن فى حدها كما يوخذ مثلا البناء فى حد البانى وإن كان لا يؤخذ فى حده من حيث هو إنسان، ولذلك صار النظر فى النفس من العلم الطبيعى لأن النظر فى النفس من حيث هى نفس نظر فيها من حيث لها علاقة بالمادة والحركة، بل يجب أن نفرد لتعرفنا ذات النفس بحثا آخر، ولو كنا عرفنا بهذا ذات النفس لما أشكل علينا وقوعها فى أى مقولة تقع فيها، فإن من عرف وفهم ذات الشىء فعرض على نفسه طبيعة أمر ذاتى له لم يشكل عليه وجوده له كما أوضحناه فى المنطق، لكن الكمال على وجهين كمال أول وكمال ثان، فالكمال الأول هو الذى يصير به النوع نوعا بالفعل كالشكل للسيف، والكمال الثانى هو أمر من الأمور التى تتبع نوع الشىء من أفعاله وانفعالاته كالقطع للسيف وكالتمييز والروية والإحساس والحركة للانسان، فإن هذه كمالات لا محالة للنوع لكن ليست أولى، فإنه ليس يحتاج النوع فى أن يصير هو ما هو بالفعل إلى حصول هذه الأشياء له بالفعل، بل إذا حصل له مبدأ هذه الأشياء بالفعل حتى صارله هذه الأشياء بالقوة بعد ما لم تكن بالقوة إلا بقوة بعيدة تحتاج إلى أن يحصل قبلها شىء حتى تصير بالحقيقة بالقوة صار حينئذ الحيوان حيوانا بالفعل، فالنفس كمال أول، ولأن الكمال كمال لشىء فالنفس كمال لشىء وهذا الشىء هو الجسم، ويجب أن يوخذ الجسم بالمعنى الجنسى لا المادى كما علمت فى صناعة البرهان، وليس هذا الجسم الذى النفس كماله كل جسم، فإنها ليست كمال الجسم الصناعى كالسرير والكرسى وغيرهما بل كمال الجسم الطبيعى، ولا كل جسم طبيعى فليست النفس كمال نار ولا أرض بل هى فى عالمنا كمال جسم طبيعى تصدر عنه كمالاته الثانية بآلات يستعين بها فى أفعال الحياة التى أولها التغذى والنمو، فالنفس التى نحدها هى كمال أول لجسم طبيعى آلى له أن يفعل أفعال الحياة،
صفحه ۱۲