فى الحس المشترك وزال قبل أن تنمحى الصورة من الحس المشترك أدركه الحس الظاهر حيث هو، وأدركه الحس المشترك كأنه كائن حيث كان فيه وكائن حيث صار إليه، فرأى امتدادا مستديرا أو مستقيما، وذلك لا يمكن أن ينسب إلى الحس الظاهر البتة، وأما المصورة فتدرك الأمرين وتتصورهما وإن بطل الشىء وغاب، ثم القوة التى تسمى متخيلة بالقياس إلى النفس الحيوانية ومفكرة بالقياس إلى النفس الإنسانية وهى قوة مرتبة فى التجويف الأوسط من الدماع عند الدودة، من شأنها أن تركب بعض ما فى الخيال مع بعض وتفصل بعضه عن بعض بحسب الإرادة، ثم القوة الوهمية وهى القوة المرتبة فى نهاية التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعانى الغير المحسوسة الموجودة فى المحسوسات الجزئية كالقوة الموجودة فى الشاة الحاكمة بأن هذا الذئب مهروب عنه وأن هذا الولد هو المعطوف عليه، ويشبه أن تكون هى أيضا المتصرفة فى المتخيلات تركيبا وتفصيلا، ثم القوة الحافظة الذاكرة وهى قوة مرتبة فى التجويف المؤخر من الدماغ تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعانى الغير المحسوسة فى المحسوسات الجزئية، ونسبة القوة الحافظة إلى القوة الوهمية كنسبة القوة التى تسمى خيالا إلى الحس، ونسبة تلك القوة إلى المعانى كنسبة هذه القوة إلى الصور المحسوسة، فهذه هى قوى النفس الحيوانية، وأما النفس الناطقه الإنسانية فتنقسم قواها إلى قوة عاملة وقوة عالمة وكل واحدة من القوتين تسمى عقلا باشتراك الاسم أو تشابهه، فالعاملة قوة هى مبدأ محرك لبدن الإنسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالروية على مقتضى آراء تخصها اصطلاحية، ولها اعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية النزوعية، واعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة، واعتبار بالقياس إلى نفسها، فاعتبارها بحسب القياس إلى القوة الحيوانية النزوعية هو القبيل الذى تحدث منه فيها هيئات تخص الإنسان يتهيأ بها لسرعة فعل وانفعال مثل الخجل والحياء والضحك والبكاء وما أشبه ذلك، واعتبارها الذى بحسب القياس الى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة هو القبيل الذى ينحاز إليها إذا اشتغلت باستنباط التدابير فى الأمور الكائنة الفاسدة واستنباط الصناعات الإنسانية، واعتبارها الذى بحسب القياس إلى نفسها هو القبيل الذى تتولد فيه بين العقل العملى والعقل النظرى الآراء التى تتعلق بالأعمال وتستفيض ذائعة مشهورة مثل أن الكذب قبيح والظلم قبيح لا على سبيل التبرهن وما أشبه ذلك من المقدمات المحدودة الانفصال عن الأوليات العقلية المحضة فى كتب المنطق وإن كانت إذا برهن عليها صارت من العقلية أيضا على ما عرفت فى كتب المنطق، وهذه القوة يجب أن تتسلط على سائر قوى البدن على حسب ما توجبه أحكام القوة الأخرى التى نذكرها حتى لا تنفعل عنها البتة بل تنفعل تلك عنها وتكون مقموعة دونها لئلا تحدث فيها عن البدن هيئآت انقيادية مستفادة من الأمور الطبيعية وهى التى تسمى أخلاقا رذيلية، بل يجب أن تكون غير منفعلة البتة وغير منقادة بل متسلطة فتكون لها أخلاق فضيلية، وقد يجوز أن تنسب الأخلاق إلى القوى البدنية أيضا، ولكن إن كانت هى الغالبة تكون لها هيئة فعلية ولهذا العقل هيئة انفعالية، ولتسم كل هيئة خلقا، فيكون شىء واحد يحدث منه خلق فى هذا وخلق فى ذلك، وإن كانت هى المغلوبة تكون لها هيئة انفعالية ولذلك هيئة فعلية غير غريبة، فيكون ذلك أيضا هيئتين وخلقين، أو يكون الخلق واحدا له نسبتان، وإنما كانت الأخلاق التى فينا منسوبة إلى هذه القوة لأن النفس الإنسانية كما يظهر من بعد جوهر واحد وله نسبة وقياس إلى جنبتين، جنبة هى تحته وجنبة هى فوقه، وله بحسب كل جنبة قوة بها تنتظم العلاقة بينه وبين تلك الجنبة فهذه القوة العملية هى القوة التى له لأجل العلاقة التى الى الجنبة التى دونه وهو البدن وسياسته وأما القوة النظرية فهى القوة التى له لأجل العلاقة إلى الجنبة التى فوقه لينفعل ويستفيد منها ويقبل عنها، فكأن للنفس منا وجهين، وجه إلى البدن ويجب أن يكون هذا الوجه غير قابل البتة أثرا من جنس مقتضى طبيعة البدن، ووجه إلى المبادى العالية ويجب أن يكون هذا الوجه دائم القبول عما هناك والتأثر منه، فمن الجهة السفلية تتولد الأخلاق ومن الجهة الفوقانية تتولد العلوم، فهذه هى القوة العملية،
صفحه ۴۷