وللنفس الحيوانية بالقسمة الأولى قوتان محركة ومدركة، والمحركة على قسمين إما محركة بأنها باعثة على الحركة وإما محركة بأنها فاعلة، والمحركة على أنها باعثة هى القوة النزوعية الشوقية، وهى القوة التى إذا ارتسمت فى التخيل الذى سنذكره بعد صورة مطلوبة أو مهروب عنها بعثت القوة المحركة الأخرى التى نذكرها على التحريك، ولها شعبتان، شعبة تسمى قوة شهوانية وهى قوة تبعث على تحريك يقرب به من الأشياء المتخيلة ضرورية أو نافعة طلبا للذة، وشعبة تسمى قوة غضبية وهى قوة تبعث على تحريك يدفع به الشىء المتخيل ضارا أو مفسدا طلبا للغلبة، وأما القوة المحركة على أنها فاعلة فهى قوة تنبعث فى الأعصاب والعضلات من شانها أن تشنج العضلات فتجذب الأوتار والرباطات المتصلة بالأعضاء إلى نحو جهة المبدأ أو ترخيها أو تمدها طولا فتصير الأوتار والرباطات إلى خلاف جهة المبدأ، وأما القوة الثمانى، فمنها البصر وهى قوة مرتبة فى العصبة المجوفة تدرك تدرك من داخل، والمدركة من خارج هى الحواس الخمس أو الثمانى، فمنها البصر وهى قوة مرتبة فى العصبة المجوفة تدرك صورة ما ينطبع فى الرطوبة الجليدية من أشباح الأجسام ذوات اللون المتأدية فى الأجسام الشفافة بالفعل إلى سطوح الأجسام الصقيلة، ومنها السمع وهى قوة مرتبة فى العصب المتفرق فى سطح الصماخ تدرك صورة ما يتأدى إليه من تموج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع مقاوم له انضغاطا بعنف يحدث عنه صوت فيتأدى تموجه إلى الهواء المحصور الراكد فى تجويف الصماخ ويحركه بشكل حركته وتماس أمواج تلك الحركة العصبة فيسمع، ومنها الشم وهى قوة مرتبة فى زائدتى مقدم الدماغ الشبيهتين بحلمتى الثدى تدرك ما يؤدى إليها الهواء المستنشق من الرائحة الموجودة فى البخار المخالط له أو الرائحة المنطبعة فيه بالاستحالة من جرم ذى رائحة، ومنها الذوق وهى قوة مرتبة فى العصب المفروش على جرم اللسان تدرك الطعوم المتحللة من الأجرام المماسة له المخالطة للرطوبة العذبة التى فيه مخالطة محيلة، ومنها اللمس وهى قوة مرتبة فى أعصاب جلد البدن كله ولحمه تدرك ما يماسه ويؤثر فيه بالمضادة المحيلة للمزاج أو المحيلة لهيئة التركيب، ويشبه أن تكون هذه القوة عند قوم لا نوعا أخيرا بل جنسا لقوى أربع أو فوقها منبثة معا فى الجلد كله، وإحداها حاكمة فى التضاد الذى بين الحار والبارد، والثانية حاكمة فى التضاد الذى بين الرطب واليابس، والثالثة حاكمة فى التضاد الذى بين الصلب واللين، والرابعة حاكمة فى التضاد الذى بين الخشن والأملس إلا أن اجتماعها فى آلة واحدة يوهم تأحدها فى الذات، وأما القوى المدركة من باطن فبعضها قوى تدرك صور المحسوسات وبعضها تدرك معانى المحسوسات، ومن المدركات ما يدرك ويفعل معا، ومنها ما يدرك ولا يفعل، ومنها ما يدرك إدراكا أوليا ومنها ما يدرك إدراكا ثانيا، والفرق بين إدراك الصورة وإدراك المعنى أن لكن الحس الظاهر يدركه أولا ويؤديه إلى الحس الباطن مثل إدراك لكن الحس الظاهر يدركه أولا ويؤديه إلى الحس الباطن مثل إدراك الشاة لصورة الذئب أعنى لشكله وهيئته ولونه، فإن الحس الباطن من الشاة يدركها لكن إنما يدركها أولا حسها الظاهر، وأما المعنى فهو الشىء الذى تدركه النفس من المحسوس من غير أن يدركه الحس الظاهر أولا مثل إدراك الشاة للمعنى المضاد فى الذئب أو للمعنى الموجب لخوفها إياه وهربها عنه من غير أن يدرك الحس ذلك البتة، فالذى يدرك من الذئب أولا الحس الظاهر ثم الحس الباطن فانه يخص فى هذا الموضع باسم الصورة، والذى تدركه القوى الباطنة دون الحس فيخص فى هذا الموضع باسم المعنى، والفرق بين الإدراك مع الفعل والإدراك لا مع الفعل أن من أفعال بعض القوى الباطنة أن يركب بعض الصور والمعانى المدركة مع بعض ويفصله عن بعض، فيكون قد أدرك وفعل أيضا فيما أدرك، وأما الإدراك لا مع الفعل فهو أن تكون الصورة أو المعنى يرتسم فى الشىء فقط من غير أن يكون له أن يفعل فيه تصرفا البتة، والفرق بين الإدراك الأول والإدراك الثانى أن الإدراك الأول هو أن يكون حصول الصورة على نحو ما من الحصول قد وقع للشىء من نفسه، والإدراك الثانى هو أن يكون حصولها للشىء من جهة شىء آخر أداها إليه، فمن القوى المدركة الباطنة الحيوانية قوة بنطاسيا وهى الحس المشترك وهى قوة مرتبة فى التجويف الأول من الدماغ تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة فى الحواس الخمس المتأدية إليه، ثم الخيال والمصورة وهى قوة مرتبة أيضا فى آخر التجويف المقدم من الدماغ تحفظ ما قبله الحس المشترك من الحواس الجزئية الخمس ويبقى فيه بعد غيبة تلك المحسوسات، واعلم أن القبول لقوة غير القوة التى بها الحفظ، فاعتبر ذلك من الماء فان له قوة قبول النقش والرقم وبالجملة الشكل وليس له قوة حفظه، على أن نزيدك لهذا تحقيقا من بعد، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فعل الحس العام الظاهر وفعل الحس المشترك وفعل المصورة فتأمل حال القطر التى تنزل من المطر فترى خطا مستقيما وحال الشىء المستقيم الذى يدور فيرى طرفه دائرة ولا يمكن أن يدرك الشىء خطا أو دائرة إلا ويرى فيه مرارا، والحس الظاهر لا يمكن أن يراه مرتين بل يراه حيث هو، لكنه إذا ارتسم
صفحه ۴۴