ولهذا لا يجوز أن يقال إن فرض الفارض جعله بهذه الحال كما يجوز أن يقال فى مثله فى المعقول، وذلك أن الكلام يبقى بحاله فيقال: ما الذى فعله الفارض حتى خصصه بهذه الحال متميزا عن الثانى؟ وأما فى الكلى فهناك أمر يقرنه به العقل، وهو حد التيامن أو حد التياسر، فإذا قرن بمربع حد التيامن صار بعد ذلك متيامنا، والحد إنما يكون لأمر معقول كلى وفى مثله يصح لأنه أمر فرضى يتبع الفرض فى التصور، وأما هذا الجزئى الذى ليس يكون بالفرض بل إنما تتصور فى الخيال صورة عن محسوس من غير اختلاف فتثبت منظورا إليها متخيلة بعينها فليس يمكن أن يوجد لها هذا الحد دون صاحبتها إلا لأمر به تستحق زيادة هذا الحد دون صاحبتها، ولا الخيال يفرضها كذلك بشرط يقرنه بها بل يتخيلها كذلك دفعة على أنها فى نفسها كذلك لا بفرضها، فيتخيل هذا المربع يمينا وذلك يسارا لا بسبب شرط يقرن بذلك وبهذا وبعد لحوقه يفرض ذلك يمينا وهذا يسارا، وأما فى صقع العقل فإن حد التيامن وحد التياسر يلحق المربع - وهو مربع لم يعرض له شىء آخر - لحوق الكلى بالكلى، فإنه يجوز أن يثبت فى العقل كلى من غير إلحاق شىء به، ويكون معدا لأن يلحق به ما يلحق، وأما الخيال فما لم يتشخص المعنى فيه بما يتشخص به لم يتمثل للخيال، فلذلك يجوز أن يكون فى سلطان العقل أن يقرن معنى بمعنى على سبيل الفرض، وأما الخيال فما لا يقع للمتمثل فيه أولا وضع محدود جزئى لم يرتسم فى الخيال ولا كان شيئا يجرى عليه فرض،
فقد بطل أن يكون هذا التميز بسبب عارض فى ذاته لازم أو غير لازم فى ذاته أو مفروض، فنقول ولا يجوز أن يكون ذلك بالقياس إلى الشىء الموجود الذى هو خياله، وذلك لأنه كثيرا ما يتخيل ما ليس بموجود، وأيضا فإن وقع لأحد المربعين نسبة إلى جسم وللمربع الآخر نسبة أخرى فليس يجوزأن تقع ومحلهما غير منقسم، فإنه ليس أحد المربعين الخياليين أولى بأن ينسب إلى أحد المربعين الخارجين من الآخر، إلا أن يكون قد وقع هذا فى نسبة من الجسم الموضوع له الحامل إياه إلى أحد الخارجين لا يقع الآخر فيها، فيكون إذا محل هذا غير محل ذلك، وتكون القوة منقسمة، ولا تنقسم بذاتها بل بانقسام ما هى فيه، فتكون جسمانية وتكون الصورة مرتسمة فى جسم، فليس يصح أن يفترق المربعان فى الخيال لافتراق المربعين الموجودين وبالقياس إليهما، فبقى أن يكون ذلك إما بسبب افتراق الجزئين فى القوة القابلة أو الجزئين من الآلة التى بها تفعل القوة، وكيف كان فإن الحاصل من هذا القبيل أن الإدراك إنما يتم بقوة متعلقة بمادة جسمانية، فقد اتضح أن الإدراك الخيالى هو أيضا إنما يتم بجسم،
صفحه ۱۹۲