وأما البحث الخاص فلقائل أن يقول: إن الخلقة، كيف تكون كيفية واحدة وشيئا واحدا وهو مجموع لون وشكل ؟ وهب أنكم تجوزون أن تكون أنواع الجواهر مركبة من جواهر، فقد أصررتم على أنه لا يجوز أن يكون لأنواع الأعراض تركيب، وإن كان لحدودها تركيب من جنس وفصل، وهذا الذى هو الخلقة، فإنه عندكم نوع واحد من باب العرض، ينقسم إلى شيئين منهما يحصل وجوده، أحدهما الشكل، والآخر اللون. فنقول فى جواب ذلك: إنا لا نمنع أن تكون أعراض مركبة من أعراض وكيف، والعشرة عرض لأنه عدد، فهو كم، وهو مركب من خمسة وخمسة؛ والمربع عرض، وإنما يلتئم من أن يكون هناك محدود وحدود أربعة. بل يعنى أن الجواهر قد يوجد فيها ما يناسب طبيعة جنسها، وما يناسب طبيعة فصلها أجزاء متغايرة، وإن لم يكن أحدهما طبيعة الجنس، ولا الآخر طبيعة الفصل، على ما تعرفه فى تعليمنا للبرهان. والأعراض لا يوجد فيها ذلك، وإن وجدت لها أجزاء فلا يكون جزء منها مدلولا عليه بوجه من الوجوه. فطبيعة الجنس كالكيف ههنا لهذا المركب، وجزء آخر مدلولا عليه: بطبيعة الفصل، وأنها تنتهى لا محالة إلى بسائط لا يوجد فيها أحد وجهى القسمة إلا بحدودها، وليس يجب أن تكون أجزاء الحد أجزاء المحدود.
وعلى ما ستعلم بعد ، فالشكل إذا قارن اللون، اجتمع لذلك شىء واحد جملة، به يقال للشىء إنه حسن الصورة وجيد الصنعة، وإنه قبيح ردىء. ولو خلا اللون عن الشكل فكان لونا وحده، أو الشكل عن اللون فكان شكلا وحده، لم يكن له ذلك الحسن وذلك القبح، بل حسن أو قبح آخر؛ فإذن للشكل من حيث هو مجتمع مع اللون أو مع غير ذلك، خاصيةحال من الاجتماع، ليست تلك خاصية أحد جزأيه، ولا هى مجموع الخاصيتين من حيث هما معا فقط، بل إذا كان حسن اللون من حيث هو حسن اللون، وحسن الشكل من حيث هو حسن الشكل، ولم تكن مناسبة الحسنيين مناسبة محدودة، لم يكن الحسن الذى يعتبر لجملة الصورة، بل ربما أحوج الحسن الذى للجملة، إلى أن لا يكون الحسنان الخاصان على ما ينبغى فى الخصوص، بل كان الحسن لا يقال على المعنى الذى على سبيل الاجتماع منهما، وعلى المعنى الذى على سبيل الخصوص إلا باشتراك الاسم.
وأما البحث السادس فهو تعرف حال المركب من شيئين، أنه إلى أيهما أميل.
فنقول: إنه لا يخلو، إما أن يكون أحدهما أولى بأن يكون موصوفا والآخر صفة، كالمربع الذى يعنى به سطح ذو هيئة، فإن السطح هو الموصوف بالهيئة، والهيئة عارضة له؛ فالجملة من مقولة الموصوف، بأن السطح ذا الهيئة سطح لا هيئة، والمجموع حق عليه أنه سطح. وأما إذا اختلفا، وليس أحدهما أولا للشىء، والآخر ثانيا بسبب الأول وبعده، فإن ذلك الاجتماع منهما يكون جمعا عرضيا، ولا يكون على سبيل جمع يحصل له أمر له اتحاد فى طبعه، ويكون كحال الكتابة والطول؛ ولا يكون للكتابة والطول اجتماع تحدث منه جملة واحدة فى الذات، فلا يستحق ذلك مقولة، بل يدخل فى المجموع. والمجموع مركب، فيكون مقولات هذه الأشياء أيضا مركبة من المقولات. كما أن الكتابة إذا اجتمعت مع الطول، كان المجموع حاصلا من كيفية وإضافة وقدر من غير اتحاد حقيقى. واعلم أن الأمور التى تستحق أن تدخل فى المقولات على أنها أنواع المقولات، ليست أى أمور اتفقت، بل الأمور والطبائع التى تقوم بمعنى جنسى، وبمعنى آخر يقترن به، فصلى، يتقوم به الجنسى على المعنى المذكور فى المدخل. فأما الاقترانات، التى لا تكون على هذه الصفة، فلا توجب نوعية، ولا توجب دخولا تحت مقولة، بل ستجعل لها مقولة مخترعة ليست حقيقية. فيكون الإنسان إذا قارن كيفا لا يقوم به ولا هو تابع للإنسانية، بل عارض غريب، يكون المجموع منهما ليس نوعا ألبتة لشىء من حيث هو مجموع، إلا أن يظن أنه نوع من جوهر مكيف. فعلى هذا القياس نقس.
الفصل الثالث فصل (ج) في تعريف الفرق بين الكيفية وذي الكيفية والأحوال التى تجرى بينهماوفى عوارض الكيفية وخواصها
صفحه ۱۲۸