وأما البحث الرابع، فهو عن أمر الزاوية. فنقول : أما الفرق بين الزاوية والأشكال، فهو أن الزاوية إنما هى زاوية من حيث يعتبر المقدار متحددا بين حدين أو حدود يلتقيان بحد. ولنخصص الكلام بالمسطحة، فنقول: إنه لايخلو إما أن يكون الشئ الذى يحيط به الحدان المتلاقيان فى المسطحات قد يحيط معهما ثالث أو رابع، أو لا يحيط؛ فإن لم يحط معهما ثالث فلا يخلو إما أن يكون حداه يلتقيان عند حد مشترك لهما آخر، أو لا يلتقيان، بل يذهبان فى التوهم إلى غير النهاية فإن التقيا، فيكون كحال الخطين المحيطين بقطعة دائرة، أو بشكل هلالي، أو بشكل آسى، أو غير ذلك. فالسطح الذى لا يتحدد بحد ثالث بل إنما هو محدود بحدين يلتقيان فى جانب منه، فهو من حيث هو كذلك، أو حالة تلك، هو أو هى زاوية. والذى يتحدد بحد غيرهما حتى يحاط به، أو يلتقى حدا ذانك حتى يحاط به، فهو من حيث هو كذلك، أو حاله تلك، هو أو هى شكل. فإن لم يعتبر كونه محاطا به، بل اعتبر منه حاله من جهة حديه الملتقيين بحديهما، فذلك أيضا اعتبار يتناول الزاوية. وكيف ما كان، فإن النظر فى السطح من حيث يتحدد بحدين اثنين بالفعل يشتركان فى حد يتصلان به بالفعل، هو غير النظر فيه من حيث يتحدد بحد ثالث، أو لا يتحدد؛ وكيف يجوز أن يتوهم، أنه لا يتحدد بثالث، بل يذهب الحدان متباعدين إلى غير النهاية، أو ينقطعان فى السطح بنقطتين ليس يصل بينهما خط قاطع للسطح، أمكن ذلك أو لم يمكن، وغير النظر فيه من جهة أن حديه هذين قد يشتركان فى حد آخر، فتكون نسبة المقدار إلى هذا النظر والاعتبار، نظيره نسبة المقدار إلى التحدد من جميع الجهات ونظير المقدار، ونظير المجتمع الذى هو الزاوية المجتمع الذى هو الشكل أو المثلث أو المربع، ونظير الهيئة التى تحصل للمقدار من حيث هو كذلك نظير الهيئة التى تحصل للمقدار من حيث هو محدود فى الجهات، أعنى الشكل؛ فكما أن المقدار المشكل كمية فكذلك الزاوية من حيث يوقع اسم الزاوية على المقدار الذى بالصفة المذكورة، فإنها كمية؛ وكما أن هيئة المشكل كيفية، فكذلك هيئة الزاوية كيفية؛ وكما أن المهندسين إذا قالوا شكل، ذهبوا إلى المشكل، كذلك إذا قالوا زاوية، ذهبوا إلى المقدار ذى الزاوية؛ ولذلك ماتكون الزاوية منصفة ومتساوية وعظمى وصغرى؛ وكما أن حال حدود المربع بعضها عند بعض حال وضع أو إضافة، كذلك حال حدى الزاوية.
وقد قيل إن الزاوية مقدار ينتهى عند نقطة. وهو قريب مما قلناه، لولا شىء واحد، وهو أن المقدار الجسمانى إذا تحدد بسطحين يلتقيان عند خط، من غير أن يتسطحا بذلك سطحا واحدا، وله لا محالة خصوصية حال غير الشكلية، قد أهمل اعتباره، بحيث يكون أحد السطحين قائما على الآخر، أو إلى انفراج، أو إلى تقارب محدد. وليس شكل الجسم من حيث هو متحدد بسطحين هكذا، كما ليس بشكل المسطح من حيث هو متحدد بخطين كالأشكال الهلالية هو زاوية، فبالحرى أن تكون هذه، زاوية مجسمة أيضا قد أغفل أمرها، وإن لم تنته إلى نقطة. وبالحرى أن يكون ههنا معنى جامع للزاوية التى من خطين، والتى عن سطوح عند نقطة، والتى عن سطحين عند خط، ويكون هذا الجامع هو كون المقدار ذا حدود فوق واحد، تنتهى عند حد واحد مشترك لها من حيث هو كذلك. فإن جعل اسم الزاوية لهذا المعنى الجامع ولم يكن بعيدا من الصواب، وكان انتهاء الزاوية المسطحة عند النقطة، لأنها زاوية، فإن لها من حيث هى زاوية أن تتحدد وتنتهى عند حد واحد. ثم عرض أن كانت الحدود خطوطا، فعرض أن كانت النهاية نقطة.ثم إن أبى هذا آب، وجعل اسم الزاوية للمقدار من حيث هو منته الى نقطة، لم أناقشه فيه، وصار معنى الزاوية أخص مما ذكرناه، وخرج شىء من جملة الزاوية، ومن جملة الشكل، يعرض أيضا للمقادير من جهة الحدود، وهذا هو ما ذكرته.
وليس ينبغى أن تلتفت إلى ما قاله بعض المتكلفين، لما لا يعنيه، إن الزاوية جنس آخر من الكم هو بين الخط والسطح، ظانا أن قولهم، الخط له طول فقط، وأن السطح له طول وعرض، هو أن يكون له طول وعرض، هما حدان قائمان أحدهما على الآخر؛ حاسبا أن الخط يتكون عن حركة نقطة، ثم السطح من حركة الخط بكليته على عمود عرضا؛ حتى يكون إذا ثبت طرف، وتحرك طرف، فعل شيئا بين الخط والسطح، وكذلك بين السطح والجسم. فإن هذا لما أخطأ فى معرفة الطول والعرض تمادى به الخطأ إلى أن تهوش. بل الزاوية المسطحة سطح، ولذلك يمكن أن يفرض فيها بعد، وآخر قائما عليه. والزاوية المجسمة جسم لنظير ذلك، أعنى إذا عنينا بالزاوية، المقدار الذى له هذا النوع من التحدد. وأما إذا ذهبنا إلى الهيئة، فإن الزاوية كيفية.
صفحه ۱۲۷