وقد انْتَسَب إلى بعض الأئمة قوم يخالفونهم في الأصول؛ مثل المعتزلة والجهمية وأرباب البدع، فلعلَّ ذلك إنما حصلَ منهم، وإنما ذكرنا مثل هذا الكلام (^١) على كُرْهٍ شديدٍ مِنَّا؛ لما فيه من شبهه بالغيبة (^٢)، ولكن وجوب النصيحة اضطرنا إلى أن نُنَبِّه على ما عِيْبَ على بعض (١٥٦/ ب) المفتين من الدخول في الحِيَل، وليعلم أنها محدثة وبدعة، ونحن نرجو أن يعذر (^٣) الله لمن اجتهد فأخطأ.
حتى ذهب (^٤) هذا الداء إلى كثير من فقهاء الطوائف، حتى إن بعض أتباع الإمام أحمد بن حنبل - مع أنه كان من أبعد الناس عن هذه الحيل - تلَطَّخُوا بها، فأدْخَلها بعضُهم في الأيْمان، وذكر طائفةً من المسائل التي هي بأعيانها من أشد ما أنكره أحمد. وحتى اعتقد بعضُهم جواز خلع اليمين، وصِحَّة نكاح المحلِّل، وجواز بعض الحِيل الربوية.
وكَثُر ذلك في المنتسبين إلى الشافعي ﵁، وتوسَّع بعضُ أصحاب أبي حنيفة فيها توسُّعًا تدلُّ أصول أبي حنيفة على خلافه. وبعض الأئمة من أصحاب مالك تزلزل فيها، حتى رأى أنَّ القياسَ جوازُ بعضها، وحتى ألقوا في نفوس كثير من العامة أنها حلال، وأنها من دين الله! ! .
_________
(^١) أي الكلام المتقدم فيمن أفتى بالحيل.
(^٢) في "الإبطال": "لما يشبه الغيبة".
(^٣) "الإبطال": "يغفر".
(^٤) كذا في الأصل و(م)، وفي "الإبطال": "دَبَّ".
1 / 72