وليس هذا من الأمور التي نحن فيها، فإن أكثر ما في ذلك: أنه كَتَم عن المخاطَب ما أراد معرفته، وأفْهَمه خلافَ ما في نفسِه، مع أنه صادق فيما عناه. والمخَاطَب ظالم في تعرُّف (^١) ذلك الشيء، بحيث إن جهله بذلك خير له من معرفته، وهذا فِعْل خير ومعروف مع نفسه ومع المخاطَب، بخلاف الحِيَل التي مضمونها الاحتيال على محرَّم، إما بسببٍ لا يُباح [به] قط، أو يُباح [به] إذا قصدَ به مقصودَه الأصلي، أو للاحتيال على مباح بسببٍ محرَّم، أو على محرَّم بمحرَّم، فهذا الذي قلنا: إنه لم يكن في أصحاب رسولِ الله من يُفتي بها، بل [كان] من ينهى عنها (^٢).
وأما الدلالة على الطريق التي يُنال بها الحلال، والاحتيال للتخلُّص من المأْثَم بطريقٍ مشروع يُقْصَد به ما شُرِع له؛ فهذا هو الذي كانوا يُفتون به، وهو من الدعاء إلى الخير، كما قال النبي ﷺ لبلال: "بِعِ الجَمْعَ بالدراهمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدراهِمِ جَنِيْبًا" (^٣).
_________
(^١) الأصل و(م): "تعريف" والمثبت من "الإبطال".
(^٢) في "الإبطال": "بل كانوا ينهون عنها"، والأصل و(م): "بل من ينهى عنها" فأصلحناه بما هو مثبت.
(^٣) لم أجد ما ذكره المصنف من قول النبي ﷺ لبلال - وإن كان الحافظ ابن حجر قد ذكر نحوه في "الفتح": (١٢/ ٣٤٢) في كتاب الحيل - أما قصة بلال فقد أخرجها مسلم رقم (١٥٩٤) وهو أنه جاء بتمر بَرْنيّ، فقال له رسول الله ﷺ: "من أين هذا"؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء، فبعتُ منه صاعين بصاع ... فقال ﷺ: "أَوَّه عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فَبِعْه ببيعٍ آخر، ثم اشتر به". =
1 / 65