شیطان بنتاور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
ژانرها
قال الهدهد: كان النسر يتكلم وكأن كلامه حديث الجيبة، تأخذه الآذان، وهو يأخذ الوجدان، بيد أنه حكم غرر، وحقائق كبر، تستوجب النظر؛ حتى أمسك عن الكلام فوددت أنه لم يمسك، وقلت له: لو خيرت يا مولاي فيما أريد لما اخترت إلا أن يبعثك الله فتمشي في القوم خطيبا هاديا، وطبيبا مداويا، تتتبع أقصى الداء، وتصف عزيز الدواء.
قال: ليكونن لي ولكم شأن يوم تجمعنا القاهرة.
قلت: ومتى تدخلها يا مولاي؟
قال: يوم يقتل عثمان ويصير أمر العرب من الخلافة إلى الملك، فهناك أنفض يدي من دولتهم، وأصدر بك عن الفسطاط وأرد القاهرة، عاصمة مصر الحاضرة.
ثم أخذت النسر الإغماءة المعتادة، فتثاءب وقال كلمته المألوفة: إذا جاء الليل ذهبت الشياطين، وموعدنا غدا دار العجوز.
وأصابني مثل ما أصابه، فما هي إلا غمضة عين ثم انتباهة، حتى رأيت الفسطاط أطلالها، وحاذيت في القطار تلالها، فعجبت للحال وتحولها والروح وتنقلها، وأخذت في نفسي على النسر هذا الرجوع إلى الخلط في المواعيد، وإتعابي بدار العجوز أنشدها ولا أنشدها:
أهلا بدار سباك أغيدها
المحادثة الثانية عشرة
قال الهدهد: خرجت في أصيل الغد إلى الفسطاط، في الحلة التي قضاها الشيخ لي واختارها، وأنا لا أعرف العجوز ولا دارها، ولا أدري كيف أملك مزارها، أو أجد من يحدثني أخبارها؛ وأنكر على الأستاذ هذه التعمية، وأعذله على اختياره النعت على التسمية، فجعلت أمشي قلقا في هذا البلد، غريبا في ثيابي، تزدحم شفاه العامة على يدي بالتقبيل، ويتنحى الخواص حيث أسير، وأنا أغبط في نفسي رؤساء الديانات بهذه المكانة في النفوس، وأحسدهم على هذه المنزلة في القلوب، وأنظر سلطان الرغبة كيف يعلو على سلطان الرهبة، وأرى الملك الكبير لمالك السريرة لا السرير؛ وقد راقني وأدهشني أني لم أر عربيا ظهر لقومه - أو للمسلمين من أهل البلد - في مظهر رئيس روحي، أو مسيطر ديني، وفي الفسطاط كثير من صحابة النبي الذين يتعلم الدين في بدايته منهم، وتؤخذ أصوله على حقيقتها عنهم، بل وجدتهم كسائر العرب في مصر: جنود الخلافة، وأنصار الإمامة، وأعوان الحكومة الإسلامية، يعزون الإسلام آونة بالجهاد، وآونة بحسن السيرة في العباد؛ لا يلتمسون الكرامة في تكبير العمامة، ولا يوسم أحدهم بولاية، وهم مصابيح الهداية، وعلى عهدهم ظهرت الآية؛ دائبون في خدمة الدين لا يألونها صبرا، يغتربون من أجله، ويقاطعون الدنيا في وصله، ويعلقون بيض الأيادي وكرائم الصنائع في أعناق الأمم ممن يأتي بعدهم؛ قدم في الشام وأخرى في العراق، ولواء في سماء النيل خفاق، ويد لها بالأمر في الروم انطلاق، وحكومة تنتظم سائر الآفاق؛ وهكذا العلماء لا يغني عنهم علمهم، ولا تثبت لهم هذه الصفة العالية في نظر الجماعة، حتى يجمعوا بين المدارك والهمم، وتنقاد بأزمتهم الحياة العملية في الأمم، يرشدون الناس بالعلم مرة وبالعمل مرارا، ويعرفونهم كيف تطلب الدنيا بالعقل، وتركب الحياة إلى المحيا السهل، وتتزود النفوس من المجد والفضل.
للعلم أهل ليس يألونه
صفحه نامشخص