حين ترك الشيخ إبراهيم فؤادة لم يمش كثيرا وحده، فما أسرع ما رافق طريقه عبد الغنى حسون لسان القرية المنتشر ينقل أخبارها ويكسب عيشه من نقل هذه الأخبار، فهي وسيلته أن يحادث الناس، ولن يعدم الناس لقمة يقدمونها له أو نصف قرش يبرونه به وهو بهذا قانع، وهو يحب عمله ويخلص له كل الإخلاص، ويتتبع الأنباء من مصادرها وينقلها إلى كل من يلقاه، فما هي إلا دورة منه أو دورتان حتى يصبح الخبر ملء القرية جميعها.
وقد كان عبد الغني حين التقى بالشيخ إبراهيم محملا بالأخبار ولم يكن قد التقى بأحد بعد، فراح يلقي أخباره في دقة، وقد كان قادرا وهو يلقي أخباره أن يسوقها فيما يشبه الحديث العادي بين الأصدقاء، وكان الشيخ إبراهيم لا يعلق على أخباره بغير جملتين يختار الواحدة منهما حسب ما يقتضيه الخبر فهو إما أن يقول: «الحمد لله» أو يقول: «أعوذ بالله» ولا يزيد.
وقد كانت الأخبار في ذلك اليوم مليئة باسم عتريس، فهو قد سرق بهائم عبد العال التش ويطلب لها حلوانا مائة جنيه، وهو أيضا أغرق أرض حسنين أبو شوشة؛ لأنه كان قد ذكره بسوء في فرح أبو ديب، وهكذا لم يستعمل الشيخ إبراهيم عبارة الحمد لله إلا مرة واحدة في هذا الحديث الطويل حين أخبره عبد الغني أن عبد الباقي عمارة قد أنجب ولدا بعد أن انتظر هذا الإنجاب مدة ثلاث سنوات.
اقترب الشيخ إبراهيم من غيطه ومعه عبد الغني حسون وبلغت آذانهما أصوات ضجيج وتصايح، فحثا الخطا، وعند الغيط رأى الشيخ إبراهيم ولديه محمودا وطه ومعهما جاره علي يهدد، وقد راح ثلاثتهم يتبادلون الوعيد؛ فعلي يهدر بقول: والله أكسر رجل من يقترب من الماء.
ويصيح محمود: أنت تكسر رجل من يقترب، والله مصائب، يا أخي عيب، والله إنك لا تتحمل مني خبطة.
ويصيح علي: خبطة في رأسك ورأس من خلفوك.
ويقول الشيخ إبراهيم ولم يكن الجمع الثائر قد رآه بعد: وما ذنب من خلفوه يا عم علي؟!
ويصيح علي في ثورة: نعم أنت الآخر، ماذا تريد؟ - خيرا يا بني خيرا إن شاء الله. - شغل الطيبة هذا لا ينطلي علي.
وصاح طه: يا ولد اصح شف من تكلم.
ويقول علي: يا سيدي طظ فيك وفيمن أكلم.
صفحه نامشخص