فمنها قول ورقة بن نوفل (يا ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومُك) فقال رسول الله ﷺ (أو مخرجِىَّ هم؟) (٢).
قلت: يظن أكثر الناس أن "يا" التي تليها "ليت" حرف نداء، والمنادى محذوف.
فتقدير قول ورقة على هذا: يا محمَّد، ليتني كنت حيًا. وتقدير قوله تعالى ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ﴾ (٣):يا قوم ليتنى كنت معهم. (٤)
وهذا الرأي عندي ضعيف؛ لأن قائل "يا ليتني" قد يكون وحده، فلا يكون معه منادَّى ثابت ولا محذوف، كقول مريم ﵍ (٥) ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ (٦).
ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادّعي فيه حذفه (٧) مستعملًا فيه ثبوته.
كحذف المنادى قبل أمر أو دعاء، فانه يجوز حذفه لكثرة (٨) ثبوته، فإنّ الأمر والداعي (٩) يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعوّ بتقديمه على الأمر والدعاء.
واستعمل ذلك كثيرًا حتى صار موضعه منبهًا عليه إذا حذف، فحسن حذفه لذلك. فمن ثبوته قبل الأمر ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ (١٠) ﴿يَا بَنِي
_________
(٢) صحيح البخاري ١/ ٦. وينظر ٩/ ٣٨.
(٣) النساء ٤/ ٧٣.
(٤) سقط من ج: يا قوم ليتني كنت معهم.
(٥) ﵍: سقط من أ.
(٦) مريم ١٩/ ٢٣.
(٧) ج: ادعي حذفه فيه.
(٨) سقطت من بعد هذه الكلمة ورقة من ب،
(٩) د: أو الداعى. تحريف.
(١٠) سورة البقرة ٢/ ٣٥.
1 / 59