أما الأول فإنه في اللغة عبارة عن التصديق، قال الله تعالى خبرا عن إخوة يوسف عليه السلام: ?وما أنت بمؤمن لنا? [يوسف: 17]، أي: بمصدق. وعند المتكلمين: هو تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله. فإن فيه تصديق ما يجب التصديق به، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وغير ذلك مما يجب الإيمان به على التفصيل، فمن صدق الرسول فيما جاء به من عند الله فهو مؤمن بينه وبين الله تعالى (1)، والإقرار شرط إجراء أحكام الإسلام عليه، هذا هو المروي عن أبي حنيفة رحمه الله (2)، وإليه ذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي، وأبو الحسن الأشعري (3) ، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو إسحاق الإسفرايني. وإن كان ظاهر كلامه في هذا الكتاب يدل على أن الإيمان مجموع الجزأين: الإقرار والتصديق.
فإن قيل: على كلا التقديرين، شطرا كان أو شرطا، لم قدم الإقرار على التصديق، فإن الإقرار وإن كان جزءا لكنه يحتمل السقوط بعذر الإكراه، والتصديق لا يحتمله؟
أجيب: بأن التصديق القلبي لما كان أمرا باطنا لا يطلع عليه، وكان الإقرار باللسان دليلا على ذلك كما سيجيء تقريره (1)، قدم على التصديق، ويمكن أن يكون هذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (2)، لم يذكر التصديق وإن كان هو الأصل.
وأما وجوبه فقد اختلفوا في طريقه، هل هو واجب عقلا أو سمعا، فذهبت المعتزلة إلى الأول، والأشاعرة إلى الثاني.
صفحه ۳۵