شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
ژانرها
قوله: "لأنها" أي الاستعارة لا تصح بكل وصف للقطع بامتناع استعارة السماء للأرض مع اشتراكهما في الوجود، والحدوث، وغير ذلك بل لا بد من وصف مشهور له زيادة اختصاص بالمستعار منه، وهذا غير متحقق بين الطلاق، والعتاق لأنهما لفظان منقولان عن المعنى اللغوي الواجب رعايته عند استعارة الألفاظ المنقولة، والمعنى اللغوي للطلاق منبئ عن إزالة الحبس، ورفع القيد يقال أطلقت المسجون خليته، وأطلقت البعير عن عقاله، والأسير عن إساره فنقل إلى رفع قيد النكاح فإن المرأة به قد صارت محبوسة بحق الزوج مقيدة شرعا لا يحل لها الخروج، والبروز بلا إذنه، والمعنى اللغوي للعتاق منبئ عن القوة، والغلبة يقال عتق الفرخ إذا قوي، وطار عن، وكره، وعتاق الطير كواسبها جمع عتيق لزيادة قوة فيها فنقل في الشرع إلى إثبات القوة المخصوصة من المالكية، والولاية، والشهادة، ونحو ذلك فلا تشابه بين المعنيين في الوجه الذي شرعا عليه فإن قيل لو كان معنى الإعتاق إثبات القوة المخصوصة لما صح إسناده إلى المالك في مثل أعتق فلان عبده إذ ليس في وسعه إثبات تلك القوة بل مجرد إزالة الملك فجوابه من وجهين: الأول: أنه مجاز في الإسناد حيث أسند الفعل إلى السبب البعيد كما في قوله تعالى: {ينزع عنهما لباسهما} [لأعراف:27] فإن الملك سبب فاعلي لإزالة الملك، وهي سبب لإثبات القوة لا يقال لم يصدر أعتق فلان عبده معناه أزال ملكه بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، وحينئذ يكون المجاز في المفرد فقوله أو يطلق عطف على قوله فيسند. "فإن قيل ليس مجازا" هذا إشكال على قوله أو يطلق عليها مجازا أي ليس إطلاق الإعتاق على إزالة الملك بطريق المجاز "بل هو اسم منقول" أي منقول شرعي، والمنقول الشرعي حقيقة شرعية. "قلنا منقول في إثبات القوة المخصوصة" لا في إزالة الملك "ثم يطلق مجازا على سببه، وهو إزالة الملك، يرد عليه" أي على ما سبق أن الطلاق رفع القيد، والإعتاق إثبات القوة الشرعية. "أنا نستعير الطلاق، وهو إزالة القيد لإزالة الملك لا للفظ الإعتاق حتى يقولوا الإعتاق ما هو فالاتصال المجوز للاستعارة موجود بين إزالة الملك، وإزالة القيد". ولا يتعلق ببحثنا أن "الإعتاق ما هو بالجواب" اعلم أن هذا الجواب ليس لإبطال هذا الإيراد فإن هذا الإيراد حق بل يبطل الاستعارة بوجه آخر، وهو "أن إزالة الملك أقوى من إزالة القيد، وليست" أي إزالة الملك "لازمة لها" أي لإزالة القيد. "فلا تصح استعارة هذه" أي إزالة القيد "لتلك" أي لإزالة الملك. "بل على العكس فإن الاستعارة لا تجري إلا من طرف واحد" كالأسد الشجاع. "وكذا إجارة الحر" عطف على قوله فيقع الطلاق بلفظ العتق. وإنما قيد بالحر حتى لو كان عبدا يثبت البيع "تنعقد بلفظ البيع دون العكس لأن ملك الرقبة سبب لملك المنفعة"، وهذه المسألة مبنية أيضا على الأصل المذكور أن الشيء إذا كان سببا محضا يصح إطلاقه على المسبب دون العكس.
...................................................................... ..........................
من المالك سبب غير هذا اللفظ الموضوع في الشرع لإنشاء العتق لأنا نقول هو ثابت بطريق الاقتضاء لأن الإنشاءات الشرعية غير معزولة بالكلية عن المعاني الإخبارية فلا بد من صدور إزالة الملك عن المتكلم قبل التكلم تصحيحا لكلامه على ما سيجيء في فصل الاقتضاء، والثاني أنه مجاز في المسند حيث أطلق الإعتاق الموضوع لإثبات القوة على سببه الذي هو إزالة الملك، وكلا الوجهين ضعيف إذ لا يفهم من الإعتاق لغة، وعرفا، وشرعا إلا إزالة الملك، والتخليص عن الرق، ولا يصح إسناده حقيقة إلا إلى المالك، وما ذكره من معنى إثبات القوة إنما يعرفه الأفراد من الفقهاء فكون اللفظ منقولا إليه لا إلى إزالة الملك ممنوع لا بد من إثباته بنقل أو سماع لأنه العمدة في إثبات وضع الألفاظ، وكون إثبات القوة أنسب بمأخذ الاشتقاق لا يصلح دليلا على ذلك الجواز أن ينقل اللفظ إلى معنى غيره أنسب بالمعنى الحقيقي منه على أنا نسلم أن الإعتاق منقول بل هو حقيقة لغوية لم يطرأ عليهما نقل شرعي.
صفحه ۱۴۹