شرح طلعة الشمس على الألفية
شرح طلعة الشمس على الألفية
ژانرها
إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي وجميع أنواع البديع إنما تتيسر غالبا بالمجاز دون الحقيقة، وهذا معنى قول المصنف، ونوعه البديع واستقامته، فالهاء من استقامته عائدة إلى نوعه البديع إذ المعنى أن الداعي إلى استعمال المجاز بلاغته، وحصول نوعه البديع في الكلام بخلاف الحقيقة، وذلك نحو استعارة بحر من المسك موجه الذهب لفحم فيه جمر موقد فيفيد لذة تخييلية، وزيادة شوق إلى إدراك معناه فيوجب سرعة التفهم، بخلاف قولك فحم عليه جمر، ومنها أن التعبير بالمجاز يكون فيه زيادة بيان عن التعبير بالحقيقة، فإن قولك رأيت أسدا بين في الدلالة على الشجاعة من قولك رأيت شجاعا؛ لأن ذكر الملزوم بينة على وجود اللازم وفي المجاز أطلق اسم الملزوم على اللازم، فاستعمال المجاز يكون دعوي بالبينة، واستعمال الحقيقة يكون دعوى بلا بينة، وأيضا فمطابقة اللفظ لتأدية تمام المراد إنما يحصل بالمجاز دون الحقيقة؛ لأن الألفاظ الحقيقية متساوية في الدلالة عند العلم بالوضع؛ وعدمها عند عدمه؛ وإنما يمكن بالدلالات العقلية؛ والألفاظ المجازية؛ لاختلاف مراتب اللزوم في الوضوح، والخفاء، فإذا قصد مطابقة تمام المراد، وتأدية المعنى بالعبارات المختلفة في الوضوح يعدل عن الحقيقة إلى المجاز ليتيسر ذلك، ومنها أن المجاز يتيسر به اختراع المعاني اللطيفة، والنكت البديعة الظريفة، فمن ذلك التعظيم كاستعارة أبي سعيد لرجل عالم فإنه يدل على كثرة علمه، فيحصل تعظيمه بذلك، ومن ذلك أيضا التحقير كاستعارة الهمج، وهو صغار الذباب للجهال من الناس، ومن ذلك أيضا ترغيب السامع كاستعارة ماء الحياة لشيء من المشروبات، ومن ذلك أيضا تنفير السامع كاستعارة السم لشيء من المطعومات، وهذه الأشياء التي ذكرها المصنف منها ما يكون راجعا إلى اللفظ، كالتجنيس ونحوه، ومنها ما يكون راجعا إلى المعنى كالتعظيم وما بعده، وبقي من دواعي استعمال المجاز أشياء لم يذكرها المصنف، منها أن الحقيقة قد تكون وحشية تمجها الاسماع كالخنفقيق،
فيعدل عنها إلى المجاز لنزاهته وذلك نحو قوله تعالى: { ما لم تمسوهن }، نزاهة لم تكن في قول القائل مالم تولجوا الذكر في الفرج، ومنها غير ما ذكرناه أيضا وبما ذكرناه والله أعلم.
{ ذكر الحروف }
والمراد بها الحروف المعنوية، اعلم أنه قد جرت العادة بالبحث عن معاني بعض الحروف، والظروف، وذكرها الحنفية في كتبهم عقيب بحث الحقيقة، والمجاز لدلالتها على معان وبعضها مجاز يتوقف شطر من المسائل الفقهية عليها، وكثيرا ما يسمي الجميع حروفا تغليبا، أو تشبيها، للظروف بالحروف في البناء، وعدم الاستقلال، والأول أوجه لما في الثاني من الجمع بين الحقيقة، والمجاز، أو إطلاقا للحروف على مطلق الكلمة.
وللمجاز وسواه تنقسم ... تلك الحروف مثل سائر الكلم
صفحه ۲۱۸