شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
ژانرها
والدليل على أنه ليس بمحتاج: أنا لا نعقل الحاجة -ولا يجوز إثبات ما لا يعقل في حق الحي- إلا الدواعي الداعية إلى جلب النفع أو دفع الضرر.
والنفع: هو اللذة والسرور وما أدى إليهما أو إلى أحدهما.
والضرر: هو الألم والغم، وما أدى إليهما أو إلى أحدهما، لا يعقل النفع والضرر إلا ذلك، واللذة والسرور والألم والغم لا تجوز على الله -سبحانه- لأن ذلك لا يجوز إلا على المحدث، وهو تعالى قديم بما تقدم.
وأما الذي يدل على أن من كان حيا غير محتاج فهو غني: فلأن
الغني لا يعقل إلا على هذه الصفة ، فمن علم عليها علم غناه، فثبت بذلك أن معنى الغني: الحي الذي ليس بمحتاج، وهذا الغنى ثابت لله -سبحانه وتعالى- فثبت أنه غني.
(الكلام في نفي الرؤية له سبحانه)
[18]
وعنه ننفي رؤية الأبصار .... في هذه الدار وتلك الدار
إذ هو لا يعلم بالمقدار .... ولا بإقبال ولا إدبار
في أيما حال من الأحوال
هذه مسألة نفي الرؤية؛ والخلاف فيها مع المجبرة([42])، من المجسمة الحنبلية والكرامية، وسائر المجبرة على طبقاتهم، غير أن الخلاف لا يتحقق بيننا وبين المجسمة في هذه المسألة؛ لأنهم يسلمون لنا أن الله -تعالى- إذا استحال كونه جسما استحالت رؤيته، ونحن نسلم لهم أنه إذا ثبت كونه -تعالى عن ذلك- جسما صحت رؤيته، وقد ثبت بما تقدم من الأدلة أنه تعالى ليس بجسم فانقطع خلاف المجسمة، وبقي الخلاف بيننا وبين سائر طبقات المجبرة.
فمذهبنا أن رؤيته تعالى لا تصح في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا معنى قوله: (في هذه الدار وتلك الدار)، فهو يريد بهذه الدار الدنيا لكوننا فيها، وبتلك الدار الآخرة لمصيرنا إليها.
قوله: (إذ هو لا يعلم بالمقدار): يقول: لا يقاس بغيره من الأجسام.
وقوله: (ولا بإقبال ولا إدبار): الإقبال: نقيض الإدبار، نفى عنه المجيء والذهاب كما يقول بعض المجبرة.
صفحه ۱۳۸