شرح المقاصد في علم الكلام
شرح المقاصد في علم الكلام
ناشر
دار المعارف النعمانية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1401هـ - 1981م
محل انتشار
باكستان
ژانرها
وثانيهما أن تصور الشيء إما أن يحصل بالبديهة وهو منتف في الواجب وفاقا وإما بالحد وهو إنما يكون للمركب من الجنس والفصل والواجب ليس كذلك وإما بالرسم وهو لا يفيد العلم بالحقيقة والكلام فيه وأجيب بأنا لا نسلم انحصار طرق التصور في ذلك بل قد يحصل بالإلهام أو بخلق الله تعالى العلم الضروري بالكسبيات أو بصيرورة الأشياء مشاهدة للنفس عند مفارقتها البدن كسائر المجردات ولو سلم فالرسم وإن لم يستلزم تصور الحقيقة لكن قد يفضي إليه كما سبق قال الفصل الخامس في أفعاله وفيه مباحث أولها في خلق أفعال العباد بمعنى أنه هل من جملة أفعال الله تعالى خلق الأفعال الاختيارية التي للعباد بل لسائر الأحياء مع الاتفاق على أنها أفعالهم لا أفعاله إذ القائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك هو الإنسان مثلا وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى فإن الفعل إنما يستند حقيقة إلى من قام به لا إلى من أوجده ألا يرى أن الأبيض مثلا هو الجسم وإن كان البياض بخلق الله وإيجاده ولا عجب في خفاء هذا المعنى على عوام القدرية وجهالهم حتى شنعوا به على أهل الحق في الأسواق وإنما العجب في خفائه على خواصهم وعلمائهم حتى سودوا به الصحائف والأوراق وبهذا يظهر أن تمسكهم بما ورد في الكتاب والسنة من إسناد الأفعال إلى العباد لا يثبت المدعى وهو كون فعل العبد واقعا بقدرته مخلوقا له وتحرير المبحث على ما هو في المواقف أن فعل العبد واقع عندنا بقدرة الله وحدها وعند المعتزلة بقدرة العبد وحدها وعند الأستاذ بمجموع القدرتين على أن يتعلقا جميعا بأصل الفعل وعند القاضي على أن تتعلق قدرة الله تعالى بأصل الفعل وقدرة العبد بكونه طاعة ومعصية وعند الحكماء بقدرة يخلقها الله تعالى في العبد ولا نزاع للمعتزلة في أن قدرة العبد مخلوقة لله تعالى وشاع في كلامهم أنه خالق القوى والقدر فلا يمتاز مذهبهم عن مذهب الحكماء ولا يفيد ما أشار إليه في المواقف من أن المؤثر عندهم قدرة العبد وعند الحكماء مجموع القدرتين على أن تتعلق قدرة الله بقدرة العبد وهي بالفعل وذكر الإمام الرازي وتبعه بعض المعتزلة أن العبد عندهم موجد لأفعاله على سبيل الصحة والاختيار وعند الحكماء على سبيل الإيجاب بمعنى أن الله تعالى يوجب للعبد القدرة والإرادة ثم هما يوجبان وجود المقدور وأنت خبير بأن الصحة إنما هي بالقياس إلى القدرة وأما بالقياس إلى تمام القدرة والإرادة فليس إلا الوجوب وأنه لا ينافي الاختيار ولهذا صرح المحقق في قواعد العقائد أن هذا مذهب المعتزلة والحكماء جميعا نعم أن إيجاد القوى والقدر عند المعتزلة بطريق الاختيار وعند الحكماء بطريق الإيجاب لتمام الاستعداد ثم المشهور فيما بين القوم والمذكور في كتبهم أن مذهب إمام الحرمين أن فعل العبد واقع بقدرته وإرادته كما هو رأي الحكماء وهذا خلاف ما ضربه الإمام فيما وقع إلينا من كتبه قال في الإرشاد اتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله ولا خالق سواه وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرق بين ما يتعلق قدرة العباد به وبين مالا يتعلق فإن تعلق الصفة بشيء لا يستلزم تأثيرها فيه كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلا واتفقت المعتزلة ومن تابعهم من أهل الزيغ على أن العباد موجدون لأفعالهم مخترعون لها بقدرتهم ثم المتقدمون منهم كانوا يمنعون من تسمية العبد خالقا لقرب عهدهم بإجماع السلف على أنه لا خالق إلا الله واجترأ المتأخرون فسموا العبد خالقا على الحقيقة هذا كلامه ثم أورد أدلة الأصحاب وأجاب عن شبه المعتزلة وبالغ في الرد عليهم وعلى الجبرية وأثبت للعبد كسبا وقدرة مقارنة للفعل غير مؤثرة فيه وأما الأستاذ فإن أراد أن قدرة العبد غير مستقلة بالتأثير وإذا انضمت إليها قدرة الله تعالى صارت مستقلة بالتأثير بتوسط هذه الإعانة على ما قرره البعض فقريب من الحق وإن أراد أن كلا من القدرتين مستقلة بالتأثير فباطل لما سبق وكذا الجبر المطلق وهو أن أفعال الحيوانات بمنزلة حركات الجمادات لا تتعلق بها قدرتها لا إيجادا ولا كسبا وذلك لما نجد من الفرق الضروري بين حركة المرتعش وحركة الماشي فبقي الكلام بين الكسبية والقدرية ولكن لا بد أولا من بيان معنى الكسب دفعا لما يقال أنه اسم بلا مسمى فاكتفى بعض أهل السنة بأنا نعلم بالبرهان أن لا خالق سوى الله تعالى ولا تأثير إلا للقدرة القديمة ونعلم بالضرورة أن القدرة الحادثة للعبد تتعلق ببعض أفعاله كالصعود دون البعض كالسقوط فيسمى أثر تعلق القدرة الحادثة كسبا وإن لم يعرف حقيقته قال الإمام الرازي هي صفة تحصل بقدرة العبد بفعله الحاصل بقدرة الله تعالى فإن الصلاة والقتل مثلا كلاهما حركة ويتمايز أن يكون إحداهما طاعة والأخرى معصية وما به الاشتراك غير ما به التمايز فأصل الحركة بقدرة الله تعالى وخصوصية الوصف بقدرة العبد وهي المسماة بالكسب وقريب من ذلك ما يقال أن أصل الحركة بقدرة الله وتعينها بقدرة العبد وهو الكسب وفيه نظر وقيل الفعل الذي يخلقه الله تعالى في العبد ويخلق معه قدرة للعبد متعلقة به يسمى كسبا للعبد بخلاف ما إذا لم يخلق معه تلك القدرة وقيل إن للعبد قدرة تختلف بها النسب والإضافات فقط كتعيين أحد طرفي الفعل والترك وترجيحه ولا يلزم منها وجود أمر حقيقي فالأمر الإضافي الذي يجب من العبد ولا يجب عند وجود الأثر هو الكسب وهذا ما قالوا هو ما يقع به المقدور بلا صحة انفراد القادرية وما يقع في محل قدرته بخلاف الخلق فإنه ما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادرية وما يقع لا في محل قدرته فالكسب لا يوجب وجود المقدور بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور ولهذا يكون مرجعا لاختلاف الإضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن الاتصاف بالقبيح بقصده وإرادته قبيح بخلاف خلق القبيح فإنه لا ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما يشتمل عليهما وملخص الكلام ما أشار إليه الإمام حجة الإسلام وهو أنه لما بطل الجبر المحض بالضرورة وكون العبد خالقا لأفعاله بالدليل وجب الاقتصاد في الإعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنه عندنا بالاكتساب وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون على وجه الاختراع إذ قدرة الله تعالى في الأزل متعلقة بالعالم من غير اختراع ثم تتعلق به عند الاختراع نوعا آخر من التعلق فحركة العبد باعتبار نسبتها إلى قدرته تسمى كسبا له وباعتبار نسبتها إلى قدرة الله تعالى خلقا فهي خلق للرب ووصف للعبد وكسب له وقدرته خلق للرب ووصف للعبد وليس بكسب له قوله لنا عقليات وسمعيات استدل على كون فعل العبد واقعا بقدرة الله تعالى بوجوه عقلية وسمعية
صفحه ۱۲۷