شرح المقاصد في علم الكلام

Sa'd al-Din al-Taftazani d. 792 AH
179

شرح المقاصد في علم الكلام

شرح المقاصد في علم الكلام

ناشر

دار المعارف النعمانية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

1401هـ - 1981م

محل انتشار

باكستان

والرابعة في الذي بين الخشن والأملس إلا أن اجتماعها في آلة واحدة يوهم تا حدها في الذات وقال أيضا يشبه أن تكون قوى اللمس قوى كثيرة تختص كل واحدة منها بمضادة فيكون ما يدرك به المضادة التي بين الثقيل والخفيف غير ما يدرك به المضادة التي بين الحار والبارد فإن هذه أفعال أولية للحس يجب أن يكون لكل جنس منها قوة خاصة إلا أن هذه القوى لما انتشرت في جميع الآلات بالسوية ظنت قوة واحدة كما لو كان اللمس والذوق منتشرين في البدن كله انتشارهما في اللسان لظن مبدؤهما قوة واحدة فلما تميزا عرف اختلافهما وليس يجب أن يكون لكل واحدة من هذه القوى آلة تخصها يجوز أن تكون آلة واحدة مشتركة لها ويجوز أن يكون هناك انقسام في الآلات غير محسوس ثم قال فإن قيل فالسمع أيضا يدرك المضادة التي بين الصوت الثقيل والحاد والتي بين الصوت الخافت والجهير وغير ذلك فلم لم تجعل قوى كثيرة فالجواب أن محسوسة الأول هو الصوت وهذه أعراض لها وتوابع بخلاف اللمس فإن كل واحدة من المتضادات تحس لذاتها لا بسبب الآخر ولما كان السؤال في الذوق المدرك للطعوم المتضادة ظاهر أجاب الإمام بأن الطعوم وإن كثرت فبينها مضادة واحدة بخلاف الملموسات فإن بين الحرارة والبرودة نوعا من التضاد غير النوع الذي بين الرطوبة واليبوسة والحكماء أوجبوا أن يكون الحاكم على كل نوع من أنواع التضاد قوة واحدة تسمى بالشعور والتمييز وأنت خبير بأن دعوى تنوع التضاد في الملموسات إن كانت من جهة أن تنوع المعروضات يوجب تنوع الإضافات العارضة فالكل سواء وإن كانت بالنظر إلى نفس التضاد العارض فلا يتم بدون برهان وتفرقة ومن سخيف الكلام ما قيل أن تباين الكيفيات الأول أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أشد من تباين الكيفيات الثواني الحادثة من تفاعلها كالروائح والألوان والطعوم فلذلك تعددت قوى اللمس دون باقي الحواس وههنا بحث آخر وهو أن المدرك بالحس هو المتضادات كالحرارة والبرودة دون التضاد فإنه من المعاني العقلية فكيف جعلوا مبنى تعدد اللامسة تعدد أنواع التضاد وجوزوا إدراك القوة الواحدة للمدركات المتضادة كالباصرة للسواد والبياض ولم يجعلوا ذلك أفعالا مختلفة من مبدأ واحد بالذات والاعتبار قال ومنها الذوق هو تال للمس في المنفعة بحيث يفعل ما به يتقوم البدن وهو تشهية الغذاء واختياره ويوافقه في الاحتياج إلى الملامسة ويفارقه في أن نفس الملامسة لا تؤدي الطعم كما أن نفس ملامسة الحار تؤدي الحرارة بل لا بد من توسط الرطوبة اللعابية المنبعثة من الآلة المسماة بالملعبة بشرط خلوها عن طعم والألم تؤد الطعم لصحة كما في بعض الأمراض واختلفوا في أن توسطها بأن يخالطها أجزاء ذي الطعم مخالطة ينتشر فيها ثم ينفذ فيغوص في اللسان حتى يخالط اللسان فيحسه أو بأن يستحيل نفس الرطوبة إلى كيفية المطعوم ويقبل الطعم منه من غير مخالطة فعلى الأول تكون الرطوبة واسطة تسهل وصول جوهر المحسوس الحامل للكيفية إلى الخاص ويكون الإحساس بملامسة الحاس للمحسوس بلا واسطة وعلى الثاني يكون المحسوس بالحقيقة هو الرطوبة ويكون بلا واسطة قال وما في اللسان يعني أن المطعومات كما تفيد ذوقا فقد يفيد بعضها لمسا إما مع تميزه في الحس كما في الحلو الحار وإما بدونه وحينئذ يتركب من الكيفية الطعمية ومن التأثير اللمسي شيء واحد يصير كطعم محض مثل الحرافة فإنها طعم مع تفريق وإسخان وكالحموضة فإنها طعم مع تفريق بلا إسخان وكالعفوصة فإنها طعم مع تجفيف أو تكثيف قال ومنها الشم الجمهور على أن إدراك الروائح بوصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى آلة الشم وقيل بتبخر وانفصال أجزاء من ذي الرائحة تخالطه الأجزاء الهوائية فتصل إلى الشامة وقيل بفعل ذي الرائحة في الشامة من غير استحالة في الهواء ولا تبخر وانفصال أجزاء ورد الثاني بأن القليل من المسك يشم على طول الأزمنة وكثرة الأمكنة من غير نقصان في وزنه وحجمه فلو كان الشم بالتبخر وانفصال الأجزاء لما أمكن ذلك والثالث بأن المسك قد يذهب به إلى مسافة بعيدة جدا أو يحرق ويفنى بالكلية مع أن رائحته تدرك في الهواء الأول أزمنة متطاولة تمسك الفريق الثاني بأن الشم لو لم يكن بالتبخر وتحلل الأجزاء اللطيفة وانفصالها من ذي الرائحة لما كانت الحرارة وما يهيجها من الدلك والتبخر تذكي الروائح ولما كان البرد الشديد يخفيها ولما ذبلت التفاحة بكثرة التشمم واللازم باطل بحكم المشاهدة والجواب منع الملازمة لجواز أن يكون ذلك من جهة أن التبخر وتحلل الأجزاء يعين على تكيف الهواء بكيفية ذي الرائحة وكثرة اللمس والتشمم على ذبول التفاحة وتحلل رطوباتها وتمسك الآخرون بأن النار مع شدة إحالتها لما يجاورها لا تسخن لا مسافة قريبة منها فكيف يحيل الجسم ذو الرائحة الهواء على مسافة بعيدة ربما تبلغ مسيرة أيام على ما حكى أرسطو أنه وقع ملحمة ببلاد يونان التي لا رخم فيها فسافرت الرخم إليها لروائح الجيف من مسيرة أيام والجواب أنه استبعاد ولا دليل على الامتناع سلمنا لكن وصول الهواء المتكيف إلى المسافات البعيدة على ما حكي يجوز أن يكون بهبوب رياح قوية ( وقال ومن الفلاسفة ) نقل عن أفلاطون وفيثاغورس وهرمس وغيرهم أن الأفلاك والكواكب لها شم وفيها روائح ورد عليهم المشاؤون بأنه لا هواء هنالك يتكيف ولا بخار يتحلل وأجيب بأن اشتراط ذلك إنما هو في العنصريات ومن كلمات بعض المتأخرين أنا عند اتصالنا بالفلكيات في نوم أو يقظة نشم منها روائح أطيب من المسك والعنبر بل لا نسبة لما عندنا إلى ما هناك ولهذا اتفق أرباب العلوم الروحانية على أن لكل كوكب بخورا مخصوصا ولكل روحاني رائحة معروفة يستنشقونها ويتلذذون بها وبروائح الأطعمة المصنوعة لهم فيفيضون على من يرتب ذلك ما هو مستعد له قال ومنها السمع قد سبق في بحث الصوت ما يغني عن شرح هذا الموضع والمراد بالهواء المتوسط هو المتموج الحامل للصوت سواء كان معلولا للقرع أو للقلع ومعنى توسطه بين القارع والمقروع كونه بين الجزء الذي يفعل للصدم بعد الصدم وبين تجويف الصماخ وهذا ظاهر وإنما الإشكال في عبارة الشفاء وهو أن السامعة قوة مرتبة في العصب المتفرق سطح الصماخ يدرك صورة ما يتأدى إليه من تموج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع مقاوم له انضغاطا بعنف يحدث منه صوت فيتأدى تموجه إلى الهواء المحصور الراكد في تجويف الصماخ ويحركه بشكل حركته حيث اقتصر في سبب الصوت على القرع مع تصريحه بأنه قد يكون بالقلع قال ولا يمتنع إشارة إلى دفع إشكالين

أحدهما أن الهواء المتموج يمتنع أن يبقى على هيئته من تقطيعات الحروف وتشكيلاتها عند دخوله في المنافذ الضيقة ومصادماته للجدران الصلبة

وثانيهما أن الهواء الحامل للصوت إن قام الصوت بمجموعه لزم أن لا يسمعه إلا واحد من الحاضرين لأنه بمجموعه لا يصل إلا إلى صماخ واحد وإن قال بكل جزء منه لزم أن يسمعه كل سامع مرارا بعدد ما يتأدى إليه من أجزاء الهواء المتموج قال فما يحكى يعني إن كان حدوث الصوت وسماعه مشروطين بالهواء لم يكن لتماس الأفلاك صوت ولو فرض لم يكن وصوله إلينا لامتناع النفوذ في جرم الفلك لكن نسب إلى القدماء من الأساطين أنهم يثبتون للفلكيات أصواتا عجيبة ونغمات غريبة يتحير من سماعها العقل وتتعجب منها النفس وحكي عن فيثاغورس أنه عرج بنفسه إلى العالم العلوي فسمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات الأفلاك وأصوات حركات الكواكب ثم رجع إلى استعمال القوى البدنية ورتب عليها الألحان والنغمات وكمل علم الموسيقى قال ومنها البصر وقد تقرر في علم التشريح أنه يثبت من الدماغ أزواج سبعة من العصب فالزوج الأول مبدؤه من غور البطنين المقدمين من الدماغ عند جواز الزائدتين الشبيهتين بحلمتي الثدي وهو صغير مجوف يتيامن الثابت منهما يسارا ويتياسر الثابت منهما يمينا ثم يلتقيان على تقاطع صليبين ثم ينفذ النابت يمينا إلى الحدقة اليمنى والثابت يسارا إلى الحدقة اليسرى والدليل على كون القوى المدركة في المحال المذكورة هو أن الآفة فيها توجب الآفة في تلك القوى واختلفوا في كيفية الإبصار فقيل إنه بانطباع شبح المرئي في جزء من الرطوبة الجليدية التي تشبه البرد والجمد فإنها مثل مرآة فإذا قابلها متلون مضيء انطبع مثل صورته فيها كما ينطبع صورة الإنسان في المرآة لا بأن ينفصل من المتلون شيء ويمتد إلى العين بل بأن يحدث مثل صورته في المرآة وفي عين الناظر ويكون استعداد حصوله بالمقابلة المخصوصة مع توسط الهواء المشف ولما اعترض على هذا بوجهين

أحدهما أن المرئي حينئذ يكون صورة الشيء وشبحه لا نفسه ونحن قاطعون بأنا نرى نفس هذا الملون

صفحه ۱۸