شرح المقاصد في علم الكلام

Sa'd al-Din al-Taftazani d. 792 AH
168

شرح المقاصد في علم الكلام

شرح المقاصد في علم الكلام

ناشر

دار المعارف النعمانية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

1401هـ - 1981م

محل انتشار

باكستان

ما مر كان هو المعتدل الحقيقي مشتقا من التعادل بمعنى التساوي وهذا هو المعتدل الفرضي والطبي المستعمل في صناعة الطب مشتقا من العدل في القسمة ومعناه المزاج الذي قد توفر فيه على الممتزج من كميات العناصر وكيفياتها القسط الذي ينبغي له ويليق بحاله ويكون أنسب بأفعاله مثلا شأن الأسد الجرأة والإقدام وشأن الأرنب الخوف والجبن فيليق بالأول غلبة الحرارة وبالثاني غلبة البرودة وهذا الاعتدال يعرض له ثمانية اعتبارات لأن أليقية المزاج للممتزج أما أن تكون بحسب الأفعال المطلوبة من النوع أو من الصنف أو من الشخص أو من العضو وكل من ذلك يعتبر إما بالقياس إلى الخارج أعني للنوع إلى سائر الأنواع وللصنف إلى سائر الأصناف من ذلك النوع وللشخص إلى سائر الأشخاص من ذلك الصنف وللعضو إلى سائر الأعضاء من ذلك البدن وإما بالقياس إلى الداخل أعني للنوع إلى ماله من الأصناف وللصنف إلى ماله من الأشخاص وللشخص إلى ما يعرض له من الأحوال وكذا للعضو مثلا للبدن الإنساني مزاج هو أليق به من حيث أنه إنسان من مزاج أي نوع فرض بحيث إذا تغير أو فسد اختلت الأفعال المختصة بهذا النوع وله مراتب يتردد فيها بين طرفي إفراط وتفريط يعبر عنها بسعة المزاج للقطع بأن ليس جميع أفراد الإنسان على مزاج واحد وليس أيضا كل مزاج صالحا للصورة الإنسانية فلنفرض أن حرارته لا تزيد على عشرين ولا تنقص من عشرة بل تتردد بينهما فإذا زادت على عشرين لم يكن الممتزج إنسانا بل فرسا وإذا نقصت من عشرة لم يكن إنسانا بل أرنبا ثم لا محالة تكون هناك واسطة بين هذين الطرفين أعني الإفراط والتفريط هي أليق به من حيث أنه إنسان من مزاج أي فرد فرض من أفراد الإنسان ويكون أفضل أمزجة الإنسان وأقربها إلى الاعتدال الحقيقي ويوجد في شخص في غاية الاعتدال من صنف في غاية الاعتدال في سن بلغ فيه النشو غايته وهو وإن لم يكن الاعتدال الحقيقي الذي حكموا بامتناع وجوده لكنه يعز وجوده إذ لا يوجد إلا في شخص واحد تجعله الأطباء دستورا يقاس إليه سائر الأشخاص وكذا للتركي مزاج خاص هو أليق به من حيث أنه تركي من أمزجة سائر أصناف الإنسان له عرض أي سعة لو خرج الشخص عنها لم يكن تركيا بل صنفا آخر وله واسطة هي أليق به من أي فرد فرض من أفراد التركي هي أفضل أمزجة الصنف وإن لم يلزم أن تكون أفضل أمزجة النوع وكذا لزيد مزاج هو أليق به من حيث هو هذا الشخص المعين أي أنسب بالصفات المختصة به من أمزجة أفراد ذلك الصنف وهو المزاج الذي يجب أن يكون زيد عليه ليكون موجودا حيا صحيحا ثم لا خفاء في أن له سعة ضرورة أن مزاجه وهو شاب غير مزاجه وهو شيخ أو صبي أو كهل ولها طرفا إفراط وتفريط لا تتعداهما ضرورة أن ليس كل مزاج صالحا له مع اختصاصه بمزاج معين وبينهما واسطة إذا حصلت لزيد كان على أفضل ما ينبغي أن يكون عليه بمعنى أن المزاج الذي له في ذلك الوقت أصلح لأفعاله من المزاج الذي له في سائر أوقاته وكذا للقلب مزاج هو أليق به من أمزجة سائر أعضاء البدن عريض له طرفان إذا تجاوزهما لم يكن القلب وواسطة إذا حصلت للقلب كان على أفضل ما ينبغي أن يكون عليه فظهر أن عرض مزاج النوع يشتمل على أمزجة أصنافه لأن عرض الصنف بعض عرض النوع وعرض مزاج الصنف يشتمل على أمزجة أشخاصه وعرض مزاج الشخص على أمزجته في حالاته وليس مزاج العضو داخلا في العروض المتقدمة لأنها مأخوذة باعتبار مجموع البدن من حيث هو مجموع إذا تكافأت الأعضاء الحارة بالباردة والرطبة باليابسة فيستحيل أن يكون مزاج مجموع البدن مزاج عضو واحد فإن قيل العضو نوع من أنواع الكائنات مشتمل على أصناف مشتملة على أشخاص فينبغي أن يعتبر له اعتدال نوعي وصنفي وشخصي كل منها بالقياس إلى الداخل والخارج دون أن يجعل قسما برأسه مقابلا لها قلنا نعم إلا أنهم نظروا إلى أن الطب ينظر في أحوال بدن الإنسان وأعضائه من حيث كونها على اعتدالها أو خارجة عنه واعتبار مزاج البدن إنما هو باعتبار تكافىء أعضائه وتعادلها في المزاج بأن تكون حرارة ما هو حار منها كالقلب تعادل برودة ما هو بارد منها كالدماغ ويبوسة ما هو يابس منها كالعظم تعادل رطوبة ما هو رطب منها كالكبد بحيث إذا نسب جميع ما في البدن من الحرارة إلى جميع ما فيه من البرودة كان قريبا من التساوي وكذا الرطوبة مع اليبوسة وبالجملة يكون الحاصل من المجموع قريبا من الاعتدال الحقيقي ثم لا خفاء في أنه ليس ههنا أعني في مزاج جملة البدن المعبر عنه بالمزاج الشخصي اختلاط أجزاء الأعضاء وتصغرها وتماسها وكأنه مجرد وضع وإضافة للبعض إلى البعض أو كيفيات تحصل لجميع الأعضاء من جهة تأثر بعضها من البعض بمجرد المجاورة من غير امتزاج واختلاط للأجزاء

( قال والخارج عن هذا الاعتدال 9 )

صفحه ۳۶۹