شرح المقاصد في علم الكلام

Sa'd al-Din al-Taftazani d. 792 AH
165

شرح المقاصد في علم الكلام

شرح المقاصد في علم الكلام

ناشر

دار المعارف النعمانية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

1401هـ - 1981م

محل انتشار

باكستان

شروع في رابع الأقسام التي رتب عليها الكلام في فصل مباحث الأجسام على التفصيل وهو في المركبات التي لها مزاج وفيه مقدمة لبيان حقيقة المزاج وأقسامه وثلاثة مباحث للإشارة إلى الأقسام الثلاثة للممتزج أعني المعدن والنبات والحيوان وقد سبق أن الكلام في ذلك مبني على قانون الفلسفة وإنما آثر في تفسيره المزاج طريق التفريع على طريق التعريف بأن يقول هو كيفية متوسطة متشابهة حادثة من تفاعل العناصر المجتمعة المتصغرة الأجزاء بقواها المنكسرة سورة كل من كيفياتها الأربع لأن ذكر المتوسطة والمتشابهة إنما يحس بعد ذكر أجزاء العناصر واجتماعها وكيفياتها وفي راعية ذلك فوات حسن انتظام اللفظ ووضوح المعني فإن قيل أي حاجة إلى ذكر المتوسطة قلنا الاحتراز عن توابع المزاج كالألوان والطعوم والروائح لأن معنى التوسط أن يكون أقرب إلى كل من الكيفيتين المتضادتين مما يقابلها بمعنى أن يستحر بالقياء إلى الجزء البارد ويستبرد بالقياس إلى الجزء الحار وكذا في الرطوبة واليبوسة وأما ذكر التشابه على ما سيجيء من معناه فللتحقيق دون الاحتراز ولو ذكر بدلهما الملموسة لكفى وحسن التحديد وعبارة ابن سينا في القانون خارج عن القانون جدا وذلك أنه قال المزاج كيفية تحدث عن تفاعل كيفيات متضادة موجودة في عناصر متصغرة الأجزاء لتماس أكثر كل واحد منها أكثر الأجزاء إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدثت عن جملتها كيفية متشابهة في جميعها هي المزاج فسلك طريق التعريف منحرفا إلى طريق التفريع وحينئذ فالشرطية أعني قوله إذا تفاعلت الخ إن كانت صفة العناصر وقع تكرار لا حاجة إليه وكان قوله هي المزاج أجنبيا لا يرتبط بما سبق إلا بأن يجعل صفة كيفية متشابهة فيذكر المحدود في الحد وإن جعل الظرف متعلقا بقوله يحدث كان الواقع في معرض الجزاء أجنبيا لا معنى له والظاهر أن قوله إذا تفاعلت الخ أخذ في طريق التفريع بعد تمام التعريف وأسند التفاعل في التعريف إلى الكيفيات على ما هو ظاهر نظر الصناعة وفي التفريع إلى العناصر بواسطة القوى التي هي الكيفيات أو الصور النوعية على ما هو أقرب إلى التحقيق الفلسفي فإن قيل فيدخل في التعريف توابع المزاج قلنا وكذلك إذا جعلنا الشرطية من تمام التعريف لأن إخراجها بقيد المتشابهة تفسيرا لها بما فسروا به المتوسطة تعسف على ما سيجيء إن شاء الله تعالى ثم لا بد لتوضيح المقام من الكلام في مواضع الأول أنه اعتبر في المزاج تصغر أجزاء العناصر لأن تأثير الجسم وإن أمكن بدون المماسة كما في تسخين الشمس للأرض وجذب المغناطيس للحديد لكن لا خفاء في أنه في الامتزاج إنما هو بطريق المماسة وهي تتكثر بتكثر السطوح الحاصل بتكثر الأجزاء الحاصل لتصغرها وكلما كان تصغر الأجزاء أكثر كان الامتزاج أتم ومنهم من جعل المماسة شرطا في تأثير الجسم لأنه إن لم يشترط وضع أصلا فباطل للقطع بأن نار الحجاز لا تحرض حطب العراق وإن اشترط المجاورة ولو بوسط أو وسائط فالبعيد لا ينفعل إلا بعد انفعال القريب القابل للانفعال وحينئذ فالمؤثر في البعيد هو المتوسط بما استفاد من الأثر للقطع بأن سخونة الجسم المجاور للهواء المجاور للنار إنما هو بسخونة الهواء فلا يكون التأثير بدون المماسة والجواب أنه يجوز أن يكون القابل هو البعيد دون القريب فيتأثر بدون المماسة كما في تسخين الشمس للأرض وجذب المغناطيس للحديد الثاني أنه لا بد في حدوث المزاج من العناصر الأربعة لأن في كل منها فائدة لا يتم بدونها الكسر والانكسار وحدوث الكيفية المتوسطة المتشابهة ولهذا يرى المركب من الماء والتراب لا تترتب عليه آثار الأمزجة إلا بعد تخلخل في الأجزاء وحرارة فوق ما في الهواء فعلى هذا لا بد في تحصيل الجزء الناري من الكون والفساد إذ لا ينزل من الأثير إلا بالقاسر ولا قاسر وبعضهم على أنه يجوز حدوث المزاج من اجتماع بعض العناصر فإنها إذا تصفرت أجزاؤها جدا واختلطت تفاعلت لا محالة وحدثت الكيفية المتوسطة الثالث أن عند امتزاج العناصر الفاعل والمنفعل هي الكيفيات الأربع في نظر الطبيب إذ لا ثبت عنده للصورة النوعية وأما الفلاسفة فلما أثبتوها بما سبق من الأدلة جعلوا الفاعل هو الصورة بتوسط الكيفية التي لمادتها بالذات كحرارة النار أو بالعرض كحرارة الماء ومعنى فاعليتها أن تخيل مادة العنصر الآخر إلى كيفيتها فتكسر سورة كيفية الآخر بمعنى أن تزول تلك المرتبة من مراتب تلك الكيفية وتحدث مرتبة أخرى أضعف منها أما كون الفاعل هو الصورة فلأنه لا يجوز أن تكون هو المادة لأن شأنها القبول والانفعال ولا الكيفية لأن تفاعل الكيفيتين أي كسر كل منهما سورة الأخرى إن كان معا لزم أن يكون الشيء مغلوبا عن شيء حال كونه غالبا عليه وإن كان على التعاقب بأن تكسر سورة الأخرى ثم ينكسر عنها لزم أن يصير المغلوب عن الشيء غالبا عليه والغالب على الشيء مغلوبا عنه وذلك أن المنكسر عندما كان قويا لم يقو على كسر الآخر فلما انكسر وضعفت قوته قوى على كسر الآخر وهذا مح وأما توسط الكيفية فلأن منشأ الكسر والانكسار هو التضاد وذلك في الكيفيات ولهذا لا تكسر سورة الهواء البارد برودة الأرض ولا سورة الماء الحار حرارة الهواء ونحو ذلك واعترض بأن ما ذكر مشترك الإلزام لأن تفاعل الصورتين بواسطة الكيفيتين إما أن يكون معا فيلزم كون الشيء غالبا مغلوبا معا لأن الكيفية كما أنها غالبة إذا فرضناها الكاسرة فكذا إذا كان لها دخل في ذلك بل يلزم اجتماع الكيفية الشديدة التي بها الكسر والضعيفة الحادثة بالانكسار في آن واحد وهو محال لأنهما مرتبتان مختلفتان وأما أن يكون على التعاقب فتلزم صيرورة المغلوب غالبا وبالعكس ولظهور بطلان هذا ولزوم كون المعلول مقارنا للعلة وشرطها اقتصر في المواقف على الشق الأول فقال الصورة إنما تعقل بواسطة الكيفية فتكون الكيفية شرطا في التأثير فيلزم اجتماع الكيفية الكاسرة أي التي بواسطتها الكسر مع الحادثة أي الضعيفة التي تحدث بعد الانكسار لا يقال الاعتراض مدفوع بوجهين أحدهما أن القول بفاعلية الصورة تجوز والحقيقة أن الصور والكيفيات معدات لفيضان الكيفية المتوسطة من المبدأ المفارق بطريق اللزوم عند الفلاسفة لتمام الفاعل والقابل وبطريق العادة عند غيرهم لكون الفاعل مختارا وح يبطل حديث الغالب والمغلوب وثانيهما أن المنكسر عند الامتزاج من كل كيفية سورتها لأنفسها والكاسر نفس الكيفية المضادة لا سورتها للقطع بأن سورة الماء الشديد الحرارة تنكسر بالماء البارد وإن لم يكن في الغاية بل بالماء الفاتر بل بماء حار هو أقل حرارة وإذا كان كذلك فلا يمتنع أن تكون الكيفية المنكسرة كاسرة لسورة الكيفية المضادة ولا يكون هذا من اجتماع الغالبية والمغلوبية في شيء لأنا نقول فح يصح القول بتفاعل الكيفيات من غير اعتبار للصور وههنا اعتراض آخر وهو أنا نجد حدوث الكيفية المتوسطة بمجرد تفاعل الكيفيات من غير اعتبار أن يكون هناك صورة توجب انكسار سورة الكيفية المضادة كما في امتزاج الماء الحار بالماء البارد للقطع بأن الصورة المائية لا تكسر البرودة فإن زعموا أن ليس ههنا فعل وانفعال أي كسر وانكسار ليلزم وجود صورة كاسرة بل تستمد المادة بواسطة اجتماع المائين لزوال كيفيتهما وحدوث كيفية متوسطة من المبدأ الفياض قلنا فليكن الأمر في المزاج أيضا كذلك فإنه لا معنى لاشتداد الكيفية وضعفها إلا بطلان كيفية وحدوث أخرى أشد منها أو أضعف بحسب اختلاف الاستعداد وإنما النزاع في الفاعل وإن زعموا أن الكاسر لسورة برودة الماء هو الصورة النارية التي أحدثت الحرارة في الماء الحار قلنا فقد ظهر أنه ليس بلازم أن يكون الكاسر للكيفية صورة بسيط هو أحد أجزاء المركب فبطل قولكم في المزاج بأن انكسار الكيفيات إنما هو بصور عناصر الممتزج ثم الأشبه أن يقال الكاسر لسورة برودة الماء البارد المختلط بالماء الحار هو الصورة المائية بتوسط الحرارة العارضة لأن من قواعدهم أن صورة كل عنصر تفعل في مادته بالذات وفي مجاوره بواسطة الكيفية ذاتية كانت كبرودة الماء أو عرضية كحرارته فعلية كالحرارة والبرودة أو انفعالية كالرطوبة واليبوسة ومادة كل عنصر تنفعل بالذات عن صورته وبكيفيته الذاتية أو العرضية الفعلية أو الانفعالية عن مجاوره وعلى هذا لا يرد على القائلين بكون الفاعل هو الصورة ما يرد على القائلين بكونه هو الكيفية من لزوم انفعال الكيفية الفعلية فيما إذا كان الكسر والانكسار بين الفعليتين أعني الحرارة والبرودة ولزوم فعلية الكيفية الانفعالية فيما إذا كان الكسر والانكسار بين الانفعاليين أعني الرطوبة واليبوسة فإن قيل إن كان في الفاعلية خفاء فلا خفاء في أن المنفعل عند الامتزاج هو الكيفيات كحرارة النار وبرودة الماء وكذا البواقي قلنا نعم بمعنى أنها تزول وتحدث الكيفية المتوسطة وأما الذي يتأثر ويتغير من حال إلى حال فهو المادة لا غير وكما لا يمتنع انفعالها في الكيفية الفعلية كالحرارة والبرودة لا يمتنع فعل الصورة بالكيفية الانفعالية كالرطوبة واليبوسة للقطع بأن صورة الماء مثلا إنما تكسر يبوسة النار برطوبته لا ببرودته وصورة النار تكسر رطوبة الماء بيبوستها لا بحرارتها الرابع أن معنى تشابه الكيفية المزاجية في الكل أن الحاصل في كل جزء من أجزاء المركبة أو البسيطة للمتزج تماثل الحاصل في الجزء الآخر أي تساويه في الحقيقة النوعية من غير تفاوت إلا بالمحل حتى إن الجزء الناري كالجزء المائي في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا الهوائي والأرض إذ لو اختلفت الكيفيات في أجزاء الممتزج وكان التشابه في الحس لشدة امتزاج الكيفيات العنصرية الباقية على حالها بحيث لا تتميز عند الحس لما كان هناك فعل وانفعال ولم تتحقق كيفية وجدانية بها يستعد الممتزج لفيضان صورة معدنية أو نباتية أو حيوانية أو نفس إنسانية عليه بل كان هذا مجرد تركيب ومجاورة بين العناصر لا امتزاج لأن الامتزاج هو اجتماع العناصر بحيث تحدث منه الكيفية المتوسطة المتشابهة والتركيب أعم من ذلك وكذا الاختلاط وقد يجعل مرادفا للامتزاج كذا في الشفاء وما ذكر في شرح القانون من أن معنى التشابه في جميع الأجزاء أن يستحر بالقياس إلى البارد ويستبرد بالقياس إلى الحار وكذا في الرطوبة واليبوسة قصدا إلى دفع اعتراض الإمام بدخول توابع المزاج في تعريفه فمخالفة لصريح العقل وصحيح النقل وما ذكرنا هو المفهوم من اللفظ والمذكور في كلام القوم

( قال فلا بد من استحالة العناصر في كيفياتها جميعا )

قد عرفت فيما مضى أن الكون والفساد تبدل في الصورة النوعية للعناصر بأن تبطل صورة وتحدث أخرى مع بقاء المادة والاستحالة تبدل في الكيفيات بأن تزول كيفية وتحدث أخرى مع بقاء الصورة ولا خفاء في أن القول بالمزاج بالمعنى المذكور أعني حدوث كيفية متوسطة متشابهة في كل جزء بحسب الحقيقة مبني على جواز استحالة كل عنصر في كيفية الفعلية والانفعالية حتى يكون الجزء الناري من الممتزج في الكيفية المتوسطة بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة كالجزء المائي والهوائي والأرضي على السواء وزعم الإمام أنهم لم يثبتوا ذلك إلا في الماء حيث يستحيل برودة إلى الحر من غير تكون وبروز ولا ورود عليه من خارج وهو لا يستلزم جواز استحالة الكل في الكل وكان الأطباء تركوا بيان هذا الأصل إلى الحكماء لكونه من مبادىء علم الطب والحكماء إلى الأطباء لكونه من فروع الطبيعي وأصول الطب فبقي مهملا ورد بأن جواز الاستحالة من لوازم جواز الكون والفساد فبيانه في كل بيان لجواز الاستحالة في الكل وتقريره على ما أشير إليه في النجاة أن زوال صورة وحدوث أخرى إنما يكون عند تمام استعداد المادة وهو أمر حادث يفتقر إلى زمان فلا بد من تغير واقع على التدريج وليس ذلك في نفس الصورة لأن وجودها وعدمها دفعي فتعين أن يكون في الكيفية بأن تتغير فتضعف الكيفية التي تناسب الصورة التي تفسد وتشتد التي تناسب الصورة التي تكون ولا نعني بالاستحالة إلا تغير الكيفية مع بقاء الصورة وما ذكر في المتن استدلال على ثبوت الاستح الة بوجة آخر وهو أنه لما ثبت فيضان الصور والنفوس لزم حدوث كيفية متوسطة متشابهه في جميع اجزاء الممتزج لتستعد المادة بذلك لقبولها وهذا نفس الاستحالة أعني زوال الكيفيات الصرفة في الأجزاء العنصرية وحصول الكيفية المتوسطة وفيه نظر لجواز أن يحصل الاستعداد بمجرد اختلاط الأجزاء المتصغرة بحيث تحصل الكيفية المتوسطة بحسب الحس مع كون كل من الأجزاء البسيطة على صرافة كيفيتها

( قال ثم التعريف يتناول المزاج الثاني 3 )

صفحه ۳۶۵