شرح المقاصد في علم الكلام
شرح المقاصد في علم الكلام
ناشر
دار المعارف النعمانية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1401هـ - 1981م
محل انتشار
باكستان
ژانرها
الثالث إن إرشاد المعلم لا يفيدنا إلا بعد العلم بصدقه وصدقه إما أن يعلم بالنظر فيكون النظر كافيا في المعرفة حيث أفاد صدق المعلم المفيد للمعرفة وإما أن يعلم بقول ذلك المعلم فيدور لأن قوله أي إخباره عن كونه صادقا لا يفيد كونه كذلك إلا بعد العلم بأنه صادق البتة وإما بقول معلم آخر وهكذا إلى أن يتسلسل وقد يجاب بأنا لا نجعل المعلم مستقلا بإفادة المعرفة ليلزمنا العلم بكونه صادقا لا يكذب البتة بل نجعل المقيد هو النظر المقرون بإرشاد منه إلى الأدلة ودفع الشبه لكون عقولنا قاصرة عن الاستدلال بذلك مفتقرة إلى إمام يعلمنا الأدلة ودفع الشبه ليحصل لنا بواسطة تعليمه وقوة عقولنا معرفة الحقائق الإلهية التي من جملتها كونه إماما يستحق الإرشاد والتعليم ثم لا يخفى أن ما ذكر من الوجوه بتقدير تمامها إنما يراد الاحتياج إلى المعلم في حصول المعرفة وأما لو أرادوا الاحتياج إليه في حصول النجاة بمعنى أن معرفة الثاني بالنظر لا تفيد النجاة مالم يتصل به تعليم ولم يكن مأخوذا من معلم وامتثالا لأمره على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وفي التنزيل فاعلم أنه لا إله إلا الله وقل هو الله أحد وكثير من المعترفين بالصانع ووحدانيته كانوا كافرين بناء على عدم أخذهم ذلك من النبي عليه السلام وعدم امتثالهم أمره فطريق الرد عليهم أن حاصل ما ذكرتم الاحتياج في النجاة إلى معلم علم صدقه بالمعجزات وذلك هو النبي عليه السلام وكفى به إماما ومرشدا إلى قيام الساعة من غير احتياج في كل عصر إلى معلم يجدد طريق الإرشاد والتعليم وتتوقف النجاة على متابعته والاعتراف بإمامته وأما احتجاج الملاحدة مع الجواب عنه فظاهر من المتن ( قال المبحث الرابع لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب النظر في معرفة الله تعالى ) أي لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية لأنه أمر مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو المعرفة وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا إن كان وجوب الواجب المطلق شرعيا كما هو رأينا أو عقلا إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال أما كون النظر مقدورا فظاهر وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به وأما وجوب المعرفة فعندنا بالشرع للنصوص الواردة فيه والإجماع المنعقد عليه واستناد جميع الواجبات إليه وعند المعتزلة بالعقل لأنها دافعة للضرر المظنون وهو خوف العقاب في الآخرة حيث أخبر جمع كثير بذلك وخوف ما يترتب في الدنيا على اختلاف الفرق في معرفة الصانع من المحاربات وهلاك النفوس وتلف الأموال وكل ما يدفع الضرر المظنون بل المشكوك واجب عقلا كما إذا أراد سلوك طريق فأخبر بأن فيه عدوا أو سبعا ورد بمنع ظن الخوف في الأعم الأغلب إذ لا يلزم الشعور بالاختلاف وبما يترتب عليه من الضرر ولا بالصانع وبما رتب في الآخرة من الثواب والعقاب والإخبار بذلك إنما يصل إلى البعض وعلى تقدير الوصول لا رجحان لجانب الصدق لأن التقدير عدم معرفة الصانع وبعثة الأنبياء ودلالة المعجزات ولو سلم ظن الخوف فلا نسلم أن تحصيل المعرفة يدفعه لأن احتمال الخطأ قائم فخوف العقاب أو الاختلاف بحاله والعناء زيادة فإن قيل لا شك أن من حصل المعرفة أحسن حالا ممن لم يحصل لاتصافه بالكمال وتحصيل الأحسن واجب في نظر العقل قلنا نعم إذا حصلت المعرفة على وجهها ولا قطع بذلك بل ربما يحصل ويقع في أودية الضلال فيهلك ولهذا قيل البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء هذا بعد تسليم وجوب الأحسن وتقرير السؤال على ما ذكرنا تتميم للدليل المذكور لبيان وجوب المعرفة وعلى ما في المواقف وهو أن الناظر أحسن حالا ابتداء دليل على وجوب النظر عقلا وأورد على هذا الاستدلال إشكالات بعضها غير مختص به ولا مفتقر إلى حله لكونه منعا على مقدمات مثبتة مقررة مثل إفادة النظر العلم مطلقا وفي الإلهيات وبلا معلم وإمكان تحقق الإجماع ونقله وكونه حجة وبعضها مختص به مفتقر إلى دفعه وهي خمسة
الأول أن وجوب المعرفة فرع إمكان إيجابها وهو ممنوع لأنه إن كان للعارف كان تكليفا بتحصيل الحاصل وهو محال وإن كان لغيره كان تكليفا للغافل وهو باطل والجواب أن إمكانه ضروري والسند مدفوع بأن الغافل من لم يبلغه الخطاب أو بلغه ولم يفهمه لا من لم يكن عارفا بما كلف بمعرفته وتحقيقه أن المكلف بمعرفة أن للعالم صانعا قديما متصفا بالعلم والقدرة مثلا يكون عارفا بمفهومات هذه الألفاظ مكلفا بتحصيل هذا التصديق وتصور تلك المفهومات بقدر الطاقة البشرية
صفحه ۴۵