شرح المقاصد في علم الكلام
شرح المقاصد في علم الكلام
ناشر
دار المعارف النعمانية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
1401هـ - 1981م
محل انتشار
باكستان
ژانرها
الثالث أنه يلزم أن يوجد لكل عدد صفات لا نهاية لها بحسب ما لها من الإضافة إلى الأعداد الغير المتناهية فإن الاثنين مثلا نصف الأربعة وثلث الستة وربع الثمانية وهكذا إلى غير النهاية وقد يجاب عن الوجوه الثلاثة بأن المحالات المذكورة إنما لزمت على تقدير أن يكون كل ما هو من أفراد الإضافة موجودة فيكون المستحيل هذا لا وجود بعض الإضافات وذلك لأن امتناع الإيجاب الكلي إنما يستلزم صدق السلب الجزئي الذي هو سلب الكل لا السلب الكلي الذي هو سلب كل لا يقال الإضافة طبيعة واحدة فلا تختلف أفرادها بامتناع الوجود وإمكانه لأنا نقول بل طبيعة جنسية لا يمتنع وجود بعض الأنواع منها دون البعض وقد يستدل على وجود الإضافة بأنا نقطع بفوقية السماء وتحتية الأرض وأبوة زيد وبنوة عمرو سواء وجد اعتبار العقل أو لم يوجد فيكون كل من ذلك موجودا عينيا لا اعتبارا عقليا والجواب أن القطع إنما هو بصدق قولنا السماء فوقنا كما في قولنا زيد أعمى وهو لا يستدعي وجود الفوقية والعمى ( قال ثم المشهور ) غني عن الشرح ومبناه على ما ذكروا من أن الإضافات لما كانت طبايع غير مستقلة بأنفسها بل تابعة لمعروضاتها كانت تابعة لها في الأحكام لئلا يلزم الاستقلال وما ذكر ابن سينا من أن التضاد لا يعرض للإضافات أراد بطريق الاستقلال بدليل أنه قال كما أن الحار ضد للبارد وكذا الأحر للأبرد إذ لو لم تكن الإضافة تابعة لمعروضها في هذا الحكم لكانت مستقلة فيه لكن احتجاجه بأن تقابل التضاد غير تقابل التضايف فيجب أن يوجد في المتضادين شيء ليس بمتضايف لكن وصف التضاد متضايف فلم يبق إلا موضوع التضاد فلزم أن يكون غير متضايف يدل على أن المتضايفين لا يتضادان لا تبعا ولا استقلالا وحاصله أنه لا يصدق على مثل الأحر والأبرد حد الضدين إذ لا يعقل كل منهما إلا بالقياس إلى الآخر لا يقال الشيء الذي لا تضايف فيه هو موضوع الأحر والأبرد أعني الجسمين لأنا نقول التضاد أو التضايف إنما تعبير فيما يرد على الموضوع كالحرارة والبرودة والأحرية والأبردية فتكون هي موضوع وصف التضاد أو التضايف لا موضوعاتها من النار والماء وغير ذلك مما يمكن تعقل كل منهما بدون الآخر ولو في التضايف قال وما تقرر إشارة إلى وجه التوفيق بين قولهم أن الإضافات في نوعيتها تبع لمعروضاتها وقولهم أن تنوع المعروضات لا يوجب تنوع العوارض لكن لا يخفى ما فيه من أخذ المعروض في موافقة الإنسانين في البياض تارة الإنسان وتارة البياض قال ومنها المتى كما أن الأين هو النسبة إلى المكان لا المكان نفسه كذلك المتى هو النسبة إلى الزمان إلا أنها قد تكون بوقوع الشيء فيه وقد تكون بوقوعه في طرفه الذي هو الآن فإن كثيرا ما يسئل عنه بمتى قد يقع في الآن كالوصول إلى منتصف المسافة ميلا والوقوع في الزمان قد يكون بأن يكون للشيء هوية اتصالية ينطبق على الزمان ولا يمكن أن يتحصل إلا فيه وهو معنى الحصول على التدريج وذلك كالحركات وما يتبعها كالأصوات وقد يكون بمعنى أنه لا يوجد في ذلك الزمان آن إلا ويكون ذلك الشيء حاصلا فيه فيكون حصوله دفعة لكن على استمرار الآنات وينقسم إلى ما يكون حاصلا في الآن الذي هو طرف حصوله كالكون وإلى مالا يكون حاصلا في ذلك كالتوسط أعني كون المتحرك على المسافة فيما بين طرفيها ( قال وهذا تصريح ) يريد أن ما ذكروا من وقوع بعض الأشياء في الآن الذي هو طرف للزمان بمنزلة النقطة للخط يدل على أنه موجود لامتناع وقوع الشيء فيما لا وجود له لكن لا خفاء في أنه لا تحقق لطرف الشيء في الخارج إلا بعد انقطاعه وانقسامه بالفعل والزمان إنما ينقسم بالوهم والفرض فقط وأيضا لو وجد الآن ولا شك أنه على الانقضاء دون البقاء وحدوث عدمه لا يكون إلا في آن يلزم تتالي الآنين وجوابهم بأن عدمه يكون في جميع الزمان الذي بعد الوجود لكن لا على التدريج ليصير الآن زمانيا بل بمعنى أنه لا يوجد في ذلك الزمان آن إلا وذلك العدم حاصل فيه على ما مر لا يدفع الإشكال لأن الكلام في حدوث العدم وهو آني وكون هذا الآن مغاير الآن الوجود ضروري ( قال ثم المتى كالأين حقيقي ) وهو كون الشيء في زمان لا يفضل عليه ككون الكسوف في ساعة معينة وغير حقيقي وهو بخلافه ككون الكسوف في يوم كذا أو شهر كذا إلا أن الحقيقي من المتى يجوز فيه الاشتراك بأن يتصف أشياء كثيرة بالكون في زمان معين بخلاف الأين وهو ظاهر ( قال ومنها الوضع وهو ) هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبة أجزائه بعضها إلى البعض بحيث تتخالف الأجزاء لأجلها بالقياس إلى الجهات في الموازاة والانحراف ونسبة أجزائه إلى أشياء غير ذلك الجسم خارجة عنه أو داخلة فيه كالقيام فإنه هيئة للإنسان بحسب انتصابه وهو نسبة فيما بين أجزائه وبحسب كون رأسه من فوق ورجله من تحت ولهذا يصير الانتكاس وصفا آخر فالمحيط على الإطلاق يكون له الوضع بحسب الأمور الداخلة فقط والمحاط على الإطلاق بالعكس وما هو محيط ومحاط فباعتبارين وحصول الوضع للجسم قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل وكل منهما قد يكون بالطبع كقيام الإنسان ولا بالطبع كانتكاسه ويجري فيه التضاد فإن القيام والانتكاس وجوديان يتعاقبان على موضوع واحد بينهما غاية الخلاف ويقبل الشدة والضعف على ما هو ظاهر في كل من الانتصاب والركوع ( قال ومنها له ويسمى الملك والجدة ) ويفسر بالنسبة الحاصلة للجسم إلى أمر حاصر له أو لبعضه فينتقل بانتقاله كالتقمص والتختم ويكون ذاتيا كنسبة الهرة إلى إهابها وعرضيا كنسبة الإنسان إلى قميصه وقد يقال بحسب الاشتراك لنسبة الشيء إلى الشيء واختصاص له به من جهة استعماله إياه وتصرفه فيه ككون القوي للنفس والفرس لزيد وقال ابن سينا أما أنا فلا أعرف هذه المقولة حق المعرفة لأن قولنا له كم أو له كيف أو له مضاف كقولنا له أين أو له جوهر حاصر لكله كما في له ثوب أو لبعضه كما في له خاتم أو محصور فيه كما في قولنا للدن شراب يقع عليها لفظة له لا بالتواطئ لكن بالتشابه والتشكيك وإن احتيل حتى يقال أن مقولة له يدل على نسبة الجسم إلى شامل إياه ينتقل بانتقاله كالتقمص والتسلح والتنعل لم يكن لهذا المعنى من القدر في عداد المقولات وإن كان التشكيك يزوله ( قال ومنها أن يفعل ) هو تأثير الشيء في غيره على اتصال غير قار كالحال الذي للمسخن ما دام يسخن وأن ينفعل هو تأثر الشيء عن غيره كذلك كالحال الذي للمسخن ما دام يتسخن وأما الحال الحاصل للمستكمل عند الاستقرار أي انقطاع الحركة عنه كالطول الحاصل للشجر وكالسخونة الحاصلة للماء والاحتراق الحاصل للثوب والقعود والقيام الحاصل للإنسان فليس من هذا القبيل وإن كان قد يسمى أثرا أو انفعالا بل من الكم أو الكيف أو الوضع أو غير ذلك وكذلك الحال الحاصل للفاعل قبل التأثير وبعده كقوة النار تسمى إحراقا ويجري في كل من المقولتين التضاد فإن التسخين ضد التبريد والتسخن ضد التبرد ويقبلان الشدة والضعف فإن تسخين النار أشد من تسخين الحجر الحار والأسوداد الذي هو الحركة إلى ا لسواد منه ما هو أقرب إلى الاسوداد الذي هو الغاية في ذلك وأسرع وصولا إليه من اسوداد آخر إليه وذهب الإمام وجمع من المحققين إلى أن ثبوت هاتين المقولتين إنما هو في الذهن إذ لو وجدتا في الخارج لافتقر كل منهما إلى مؤثر له تأثير آخر ضرورة امتناع كون التأثير نفس الأثر على تقدير كونهما من الأعيان الخارجية وحينئذ يلزم التسلسل المحال وترتب أمور لا نهاية لها مع كونها محصورة بين حاصرين والجواب أن ذلك إنما يلزم لو كان كل تأثير وإيجاد حتى الإبداعي الذي لا يفتقر إلى زمان من قبيل أن يفعل وكل تأثر وحصول حتى الدفعي من قبيل أن ينفعل وليس كذلك بل إذا كان الفاعل يغير المنفعل من حال إلى حال على الاتصال والاستمرار فحال الفاعل هو أن يفعل وحال المنفعل أن ينفعل حتى فسر الفارابي أن يفعل بالتغيير والتحريك وأن ينفعل بالتغير والتحرك وقال لا فرق بين قولنا ينفعل وبين قولنا يتغير ويتحرك وأنواع هذا الجنس هي أنواع الحركة ففي الجوهر التكون والفساد وفي الكم النمو والاضمحلال وفي الكيف الاستحالة وفي الأين الثقلة وحقيقة أن ينفعل هو مصير الجوهر من شيء إلى شيء وتغيره من أمر إلى أمر ما دام سالكا بين الأمرين على الاتصال فالتكون كابتناء البيت قليلا قليلا وشيئا شيئا وجزأ جزأ على اتصال إلى أن يحصل البيت وعلى هذا قياس البواقي وأن يفعل هو أن ينتقل الفاعل باتصال الفعل على النسب التي له إلى أجزاء ما يحدثه في المنفعل حتى ما ينفعل فالمسخن حين ما يسخن له نسبة إلى جزء جزء من الحرارة التي تحدث فيما يتسخن ينتقل من نسبة إلى جزء من الحرارة إلى نسبته إلى جزء آخر على الاتصال وأنواعه على عدد أنواع أن ينفعل فإن كل تغير وحركة يقابله تغيير وتحريك كالتكوين للتكون والإفساد للفساد وكذا أنواع الأنواع كالبناء للابتناء والهدم للانهدام وعلى هذا قياس التضاد فكما أن ينهدم مضاد لأن يبني وأن يتسخن لأن يتبرد كذلك أن يهدم مضاد لأن يبني وأن يسخن لأن يبرد وعلى هذا قياس البواقي وقال ابن سينا إنما أؤثر لفظ أن ينفعل وأن يفعل على الانفعال والفعل لأنهما قد يقالان للحاصل بعد انقطاع الحركة وإنما المقولة ما كان توجها إلى غاية من وضع أو كيف أو غير ذلك غير مستقر من حيث هو كذلك ولفظ أن ينفعل وأن يفعل مخصوص بذلك ( قال المقصد الرابع في الجواهر ) قد سبق تعريف الجوهر على رأي المتكلمين والحكماء وهذا المقصد مرتب على مقدمة لتقسيمه وما يتعلق بذلك ومقالتين بمباحث الأجسام ومباحث المجردات أما تقسيمه على رأي المتكلمين هو أن الجوهر لما كان عبارة عن المتحيز بالذات فإما أن يقبل الانقسام وهو الجسم أولا وهو الجوهر الفرد وعلى رأي المشائين من الحكماء هو أنه إما عقل أو نفس أو جسم أو هيولي أو صورة ولهم في بيان ذلك طرق مبناها على ما يرون من نفي الجوهر الفرد وتجرد العقل والنفس وتحقق جوهرين حال ومحل هما حقيقة الجسم ونحو ذلك من قواعدهم وإلا فعليها إشكالات لا يخفى الطريق الأول أن الجوهر إن كان حالا في جوهر آخر فهي الصورة وإلا فإن كان محلا له فهي الهيولي وإلا فإن كان مركبا من الحال والمحل فهو الجسم وإلا فإن تعلق بالجسم تعلق التدبير والتصرف فالنفس وإلا فالعقل الطريق الثاني أن الجوهر إن كان مفارقا في ذاته بأن يكون مستغنيا عن مقارنة جوهر آخر فإما أن يكون مفارقا في فعله أيضا وهو العقل أولا وهو النفس وإن لم يكن مفارقا في ذاته بل مقارنا لجوهر آخر فإما أن يكون حالا فيه أو محلا أو مركبا منهما لأن مالا يكون كذلك كان مفارقا لا مقارنا الطريق الثالث أن الجوهر إن كان قابلا للأبعاد الثلاثة فجسم وإلا فإن كان جزأ منه هو به بالفعل فصورة أو بالقوة فمادة وإن لم يكن جزأ منه فإن كان متصرفا فيه فنفس وإلا فعقل وهذا ما قال في الشفاء أن الجوهر إن كان مركبا فجسم وإن كان بسيطا فإن كان داخلا في تقويم المركب فإما دخول الخشب في وجود الكرسي فمادة أو دخول شكل الكرسي فيه فصورة وإن لم يكن داخلا فيه بل مفارقا فإن كان له علاقة تصرف ما في الأجسام بالتحريك فنفس وإلا فعقل فإن قيل الجسم يكون مع الهيولي أيضا بالفعل البتة لامتناع انفكاكها عن الصورة كما سيجيء قلنا المراد أن وجود المركب بالنظر إلى المادة نفسها ومن حيث أنها مادة لا يكون إلا بالقوة وبالنظر إلى الصورة بالفعل على ما قال في الشفاء أن المادة هي مالا يكون باعتباره وحدة للمركب وجود بالعقل بل بالقوة والصورة إنما يصير المركب هو ما هو بالفعل بحصولها حتى لو جاز وجود الصورة بدون المادة لكان مستلزما لحصول المركب بالفعل البتة فإن قيل الداخل في قوام الجسم والحال في المادة التي هي أحد الأقسام الخمسة أعني الهيولي الأولى البسيطة إنما هي الصورة الجسمية وأما النوعية فمحلها الجسم نفسه وإن كان يسمى من حيث توارد الصور عليه هيولي ومادة قلنا الصورة النوعية وإن لم تكن داخلة في قوام الجسم المطلق فهي داخلة في أنواعه من الفلكيات والعنصريات وسيجيء ان محلها أيضا هو الهيولي وعند الأقدمين من الحكماء الجوهر إن كان متحيزا فجرماني وهو الجسم لا غير إذ لا يثبت وجود جوهر حال هو الصورة وآخر محل هو الهيولي وإنما الهيولي اسم للجسم من حيث قبوله للأعراض المحصلة للأجسام المتنوعة والصورة اسم لتلك الأعراض وإن لم يكن متحيزا فروحاني وهو النفس والعقل ( قال تنبيه ) قد سبق أن الموضوع هو المحل المقوم للحال فيكون المحل أعم منه وإن الحال قد يكون جوهرا كالصورة وقد يكون عرضا فيكون أعم من العرض وأن العرض لا يقوم بنفسه فلا يقوم غيره وإن جاز كونه محلا للعرض بمعنى الاختصاص الناعت فيكون بين العرض والموضوع مباينة كلية واما بين العرض والمحل فعموم من وجه لتصادفهما في عرض يقوم به عرض وتفارقهما حيث يكون المحل جوهرا أو يكون العرض مما لا يقوم به شيء فإن قيل استناد العرض إلى محل يقومه ضروري وهو معنى الموضوع فالعرض الذي يقوم به عرض يكون موضوعا فلا يكون بينه وبين الموضوع مباينة قلنا استناده إلى الموضوع يجوز ان يكون بواسطة هي العرض والمحل الأولي الذي يتصف بها كاستناد السرعة إلى الجسم بواسطة الحركة فلا يلزم من لزوم استناده إلى الموضوع أن يكون محله الأول موضوعا ( قال وقد توهم ) لما كان معنى الموضوع هو المحل المقوم للحال ومعنى الجوهر هو ما يقوم بنفسه لا بغيره كان استغناؤه عن الموضوع ظاهرا إلا أنه قد يوهم اختصاص ذلك بجزئيات الجواهر دون كلياتها لوجهين أحدهما أنها مفتقرة في الوجود إلى أشخاصها التي هي موضوعات لها لكونها محمولة عليها بالطبع وثانيهما أنها صورة قائمة بالنفس لا قوام لها من حيث هي كليات بدونها ورد الأول بأنه غلط من جهة اشتراك لفظ الموضوع بين المحكوم عليه في القضية وبين المحل المقوم للحال والشخص إنما يكون موضوعا للكلي بالمعنى الأول دون الثاني ورد الثاني بأن معنى كون الصور جواهر أنها في ذاتها طبايع إذا وجدت في الخارج كانت لا في موضوع وأما من حيث حلولها في النفس الجزئية وقيامها بها فهي من قبيل الأعراض الجزئية لا الجواهر الكلية ( قال وأما المقالة الأولى ) لا خفاء ولا نزاع في أن لفظ الجسم في لغة العرب وكذا ما يرادفه في سائر اللغات موضوع بإزاء معنى واحد واضح عند العقل من حيث الامتياز عما عداه لكن لخفاء حقيقته وتكثر لوازمه كثر النزاع في تحقيق ماهيته واختلفت العبارات في تعريفه وأدى ذلك إلى اختلاف في بعض الأشياء أنه هل يكون جسما أم لا فعند المحققين من المتكلمين هو الجواهر القابل للانقسام من غير تقييد بأقطار الثلاثة فلو فرضنا مؤلفا من جوهرين فردين كان الجسم هو المجموع لا كل واحد منهما كما زعم القاضي تمسكا بأنه جوهر مؤلف وكل جوهر مؤلف جسم وفاقا ومبنى الصغرى على امتناع قيام التأليف بالجزئين لامتناع قيام العرض الواحد بمحلين بل لكل جزء تأليف قائم به وهو معنى المؤلف والجواب أن التأليف معنى بين الشيئين يعتبر استناده إلى المجموع من حيث هو المجموع فيكون مؤلفا من الشيء وإلى كل واحد فيكون مؤلفا مع الشيء كما يقال في النحو الكلام هو المركب الذي فيه الإسناد والمعرب المركب الذي لم يشبه مبنى الأصل فالجسم هو المؤلف بالمعنى الأول والجزء بالمعنى الثاني فلا تكرر للوسط فإن قيل المراد بالتأليف عرض خاص مغاير لمعناه اللغوي المشعر بالانضمام المقتضي للتعدد وهو السبب عند المعتزلة لصعوبة الانفكاك فالجواب ح منع الكبرى وجعل الآمدي النزاع لفظيا عائدا إلى أن لفظ الجسم بإزاء أي معنى وضع وصاحب المواقف معنويا عائدا إلى أنه هل يوجد عند اجتماع الأجزاء وحصول الجسم عرض خاص هو التأليف والاتصال والسبب لصعوبة الانفكاك على ما يراه المعتزلة أم لا بل الجسم هو نفس الأجزاء المجتمعة فالقاضي يحكم بوجوده لكن يزعم أنه ليس قائما بالجزئين كما هو رأي المعتزلة بل لكل جزء تأليف يقوم به فيكون جسما لما سيجيء من أن الجزء بمنزلة المادة والتأليف بمنزلة الصورة وفيه نظر لأن جمهور الأصحاب أيضا قائلون به وبعدم قيامه بجزئين وان جعل النزاع بينه وبين المعتزلة بمعنى أنهم قائلون بالتأليف دونه ففساده أكثر لأن القاضي يقول بالتأليف وهم لا يقولون بجسمية الجوهرين ( قال وعند المعتزلة ) المشهور بينهم في تعريف الجسم أنه الطويل العريض العميق ولا نزاع لهم في أن هذا ليس بحد بل رسم بالخاصة ومبنى كونها خاصة على انهم لا يثبتون الجسم التعليمي الذي هو كم له للأبعاد الثلاثة ليكون هذا عرضا عاما يشمله فيفتقر إلى ذكر الجوهر احترازا عنه ويكون المجموع خاصة مركبة للجسم الطبيعي كالطائر الولود للخفاش ولا يضره كون الجوهر جنسا لأن المركب من الداخل والخارج خارج على أنه يحتمل أن يراد بالطويل مثلا ما يكون الطول أي الامتداد المفروض أو لا عارضا له فلا يشمل الجسم التعليمي لأن هذه الأبعاد أجزاؤه واعترض بأن الخاصة إنما تصلح للتعريف إذا كانت شاملة لازمة وهذه ليست كذلك أما الشمول فلأنه لا خط بالفعل في الكرة ولا سطح فيما يعرض من الجسم الغير المتناهي فإنه جسم وإن امتنع بدليل من خارج بخلاف ما إذا فرض أربعة ليست بزوج فإن الزوجية من لوازم الماهية وأما اللزوم فلأن الشمعة المعينة قد يجعل طولها تارة شبرا وعرضها أصابع وتارة ذراعا وعرضها أصبعا فيزول ما فيها من الأبعاد مع بقاء الجسمية وأجيب بعد تسليم أن انتفاء الخط والسطح بالفعل يستلزم عدم اتصاف الجسم بالطول والعرض والعمق بأن المراد قبول تلك الأبعاد وإمكانها وهذه خاصة شاملة لازمة على أن ما ذكر من زوال مقدار وحدوث آخر مما لا يثبت له عند المتكلمين بل الجواهر الفردة هي التي تنتقل من طول إلى عرض ولو سلم فالمراد مطلق الأبعاد وهي لازمة وإنما الزوال للخصوصيات فإن قيل على تقدير نفي المقادير فالطول خاصة للجسم وعلى تقدير إثباتها فالجوهر الطويل فأي حاجة إلى ذكر العرض والعمق قلنا إنما يصح ذلك لو كان كل منقسم جسما حتى المؤلف من جزئين وهم لا يقولون بذلك بل عند النظام أجزاء كل جسم غير متناهية وعند الجبائي أقلها ثمانية بأن يوضع أربعة بحيث يحصل مربع ثم فوقها أربعة كذلك وعند أبي الهذيل ستة بأن يوضع ثلاثة ثم ثلاثة وقيل الأربعة بأن يوضع جزآن وبجنب أحدهما في سمت آخر جزء آخر وفوق أحد الثلاثة جزء آخر وإنما لم يفرض بالثلاثة على وضع المثلث والثالث على ملتقاهما بحيث يحصل مكعب لأن جواز ذلك عندهم في حيز المنع لاستلزامه الانقسام على ما سيجيء وبالجملة فالجوهر المركب الذي يكون عدد أجزائه أقل من أدنى ما يصح تركب الجسم منه أو يكون تركب أجزائه على سمت واحد فقط وهو المسمى عندهم بالخط وفي سمتين فقط وهو المسمى بالسطح يكون واسطة بين الجسم والجوهر الفرد ويجب الاحتراز عنه بقيد العرض والعمق ( قال وعند الفلاسفة ) التعريف السابق هو الذي ذكره قدماء الفلاسفة وحين ورد على ظاهر فإنه لا بد من ذكر الجوهر احترازا عن الجسم التعليمي وأنه لا عبرة بوجود الأبعاد بالفعل صرح أرسطو وشيعته بالمقصود فقالوا هو الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة أي الذي يمكن أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة وزاد بعضهم قيد التقاطع على زوايا قائمة ومعنى ذلك أنه إذا قام خط على آخر فإن كان قائما عليه أي غير مائل إلى أحد جانبيه فالزاويتان الحادثتان تكونان متساويتين وتسميان قائمتين وإن كان مائلا فلا محالة تكون إحدى الزاويتين اصغر وتسمى حادة والأخرى أعظم وتسمى منفرجة فإذا فرضنا في الجسم بعدا كيف اتفق ثم آخر بقاطعة في أي جهة شئنا بحيث تحصل أربع قوائم ثم ثالثا يقاطعهما بحيث تحصل منه بالنسبة إلى كل من الأولين أربع قوائم وهذا الثالث متعين لا يتصور فيه التعدد فهذا معنى تقاطع الأبعاد على زوايا قائمة وهذا القيد لتحقيق أن المعتبر في الجسم قبول الأبعاد على هذا الوجه وإن كان هو قابلا لأبعاد كثيرة لا على هذا الوجه فما ذكر في المواقف أن الجوهر القابل للأبعاد لا يكون إلا كذلك والذي يقبل أبعادا لا على هذا الوجه إنما هو السطح ينبغي أن يكون إشارة إلى صحة التقاطع على زوايا قائمة لا إلى التقاطع ولدفع وهم من يتوهم التعريف بالجوهر القابل للأبعاد شاملا للسطح بناء على تركبه من الجواهر الفردة وكان هذا مراد من قال أنه احتراز عن السطح أي على توهم كونه جوهرا ولا يرد الجسم التعليمي لأنهم لا يتوهمونه بل يجعلون الحاصل من تراكم السطوح هو الجسم الطبيعي لا غير وقد يقال أن معنى الاحتراز عن السطح أن لا يبقى القابل للأبعاد شاملا له فيصير خاصة للجسم صالحا في معرض الفصل لصيرورته أخص من الجوهر مطلقا لا من وجه وهذا إنما يتم لو لم يبق مع هذا القيد شاملا للجسم التعليمي وإنما اعتبر الفرض لأن جسمية الجسم ليست باعتبار ما لها من الأبعاد بالفعل لأنها مع بقاء الجسمية بحالها قد تتبدل كما في الشمعة وقد تزيد وقد تنقص بالتخلخل والتكاثف ولأنه قد ينفك الجسم في ماهيته عن السطح والخط كما في تصور جسم غير متناه بل وعن الخط في الوجود أيضا كما في الكرة المصمتة والأسطوانة وذكر الإمكان لأن فعل الفرض أيضا ليس بلازم بل مجرد إمكانه كاف ففي المجردات يستحيل فرض الأبعاد بمعنى أن اتصافها بها من المحالات التي لا يمكن فرضها والظاهر أنه يكفي ذكر الإمكان أو القابلية ولا حاجة إلى اعتبار الفرض وذكروا أن المراد بهذا الإمكان هو الإمكان العام ليشمل ما تكون الأبعاد فيه حاصلة بالفعل لازمة كما في الأفلاك أو غير لازمة كما في العنصريات وما يكون بالقوة المحضة كما في الكرة المصمتة فكلامهم يميل تارة إلى أن المراد بالأبعاد تلك الامتدادات الآخذة في الجهات على ما هو حقيقة الجسم التعليمي أعني الكمية القائمة بالجسم السارية فيه المحصورة بين السطوح حتى أن بين السطوح الستة للجسم المربع جوهرا هو الجسم الطبيعي وعرضا ساريا فيه هو الجسم التعليمي له أبعاد ثلاثة هي أجزاؤه لا بمعنى الخطوط إذ لو كانت فيه بالفعل لكانت في كل جسم بالفعل وهذا غير الامتداد الذي هو الصورة الجسمية الحاصلة في كل جسم بالفعل بحيث لا يلحقه التبدل والتغير أصلا وتارة إلى أنها الخطوط التي لا توجد في الكرة الساكنة إلا بالقوة المحضة بخلاف المتحرك كالفلك فإن المجوز عندهم خط بالفعل وتارة إلى أنها السطوح والخطوط التي هي النهايات حيث نفوها عن الجسم الغير المتناهي ولا خفاء في أنها ليست هي التي تتقاطع على زوايا قائمة والأظهر أن المراد بها الخطوط المتوهمة المتقاطعة التي هي الطول والعرض والعمق وهي ليست بالفعل لا في الطبيعي ولا في التعليمي والانفصال الذي هو أيضا بالقوة ليس مقابلا له ليلزم كون الجسم ليس بمتصل بالفعل ولا منفصل بالفعل بل للاتصال الذي هو حاصل بالفعل وفرق ابن سينا بين البعد والمقدار بأن البعد هو الذي يكون بين نهايتين غير متلاقيتين ومن شأنه أن يتوهم فيه نهايات من نوع تينك النهايتين فقد يكون بعد خطي من غير خط وسطحي من غير سطح كما في الجسم الذي لا انفصال في داخله بالفعل فإنك إذا فرضت فيه نقطتين فبينهما بعد خطي ولا خط وإذا فرضت خطين متقابلين فبينهما بعد سطحي ولا سطح وذلك البعد الخطي طول والسطحي عرض فيظهر الفرق بين الطول والخط وبين العرض والسطح حيث يوجد الأول بدون الثاني وإن لم يوجد خط بلا طول وسطح بلا عرض قال والمراد قبول أعيانها أورد الإمام أن الوهم يصح فرض الأبعاد الثلاثة فيه وليس بجسم فأجاب بأن المراد ما يكون كذلك بحسب الوجود الخارجي كما في قولهم الرطب ما يقبل الأشكال بسهولة ولا خفاء في أنه تحقيق للمقصود بحيث لا يرد الاعتراض بالنفس التي هي جوهر مجرد يقبل الأبعاد الثلاثة المتقاطعة وإلا فظاهر أن الوهم خارج بقيد الجوهرية والحاصل أن المراد صحة فرض الأبعاد بحيث يتحقق الاتصاف بها وذلك في الوجود المتأصل لا غير ومن اعتراضاته أن الهيولي جوهر يصح فرض الأبعاد الثلاثة فيها غايته أن قبولها للأبعاد يكون مشروطا بقبولها للصورة الجسمية ولا يجوز أن تكون الصورة جزأ من القابل لما تقرر عندهم من أنها مبدأ الفعل والحصول دون الإمكان والقبول بل الجوهر القابل هو الهيولي لا غير وجوابه أن ما اختص الهيولي بقبوله هو الصور لا الأعراض من الكميات والكيفيات وغيرها كيف وقد صرحوا بأنه لا حظ للهيولي من المقدار وإنما ذلك إلى الصورة فإنها امتداد جوهري به قبول الامتدادات العرضية على أنه قد سبق أن المراد بهذا القبول ما يعم الفعل ولو لزوما ولعل هذا الاعتراض بالنسبة إلى الصورة أوجه ( قال وكلامهم متردد ) الظاهر أن التعريف المذكور رسم بالخاصة المركبة إذ على تقدير جنسية الجوهر فالقابل للأبعاد أعم منه من وجه ولا كذلك حال الفصل ولهذا اتفقوا على أن المركب من أمرين بينهما عموم وخصوص من وجه ماهية اعتبارية وأيضا تحصل حقيقة الجسم بالأبعاد المفروضة غير معقول وأما التمسك بأن تركب الجسم إنما هو من الهيولي والصورة لا من الجوهر وقابل الأبعاد ليكون التعريف بهما حدا فضعيف لما عرفت من الفرق بين الأجزاء الخارجية والأجزاء العقلية التي هي الذاتيات ونقل عن ابن سينا ما يشعر بأنه متردد في أن هذا حد أو رسم وأبطل الإمام كونه حدا بأن الجوهر لا يصلح جنسا للجسم ولا قابلية الأبعاد فصلا أما الأول فلوجوه منها
صفحه ۲۹۱