الشرح: النضج هو إحالة الحرارة للجسم ذي الرطوبة إلى الهيئة المطلوبة، وأنواعه أربعة: أحدها: نضج الثمرة، وهو أن يصير بحيث يصلح A لأن تولد المثل، وذلك هو المطلوب منها عند الطبيعة. وثانيها: نضج الغذاء، وهو أن يصلح لأن يصير جزء عضو ويسمى ذلك هضما. وثالثها: نضج الطعام، وهو أن يصير بحيث يصلح لأن يؤكل. ورابعها: نضج الفضلات، وهو أن يصير بحيث تصلح لأن تدفع، فإن المقصود من الفضلات الدفع وإنما يسهل دفع المواد إذا اعتدل قوامها، فإن كان غليظا لطف، وإن كان لطيفا غلظ، وإن كان لزجا قطع؛ لأن كل واحد من هذه تمنع الاندفاع. أما الغلظ واللزوجة فظاهر، وأما اللطافة فلأن اللطيف يتشربه خمل العضو ولا يسهل احتواؤه عليه عند الدفع. وإذا أطلق لفظ الدواء أريد به الدواء المستفرغ. وأما التحريك فيريد به ما قلناه من نقل المواد بالجذب إلى الخلاف البعيد أو القريب. وأما لفظة المهياج فقد استعارها للكيموسات من هيجان الحيوانات، وذلك لأن الحيوان الهائج لا يمكن قراره لأجل حركة منيه وفرط غلمته. كذلك الأخلاط إذا كانت متحركة سائلة من عضو إلى آخر لم يمكن صاحبها القرار ، بل A يعرض له قلق وكرب، ولا كذلك إذا كانت الأخلاط ساكنة وهو الأكثر ويل عليه الاستقراء. والمرض إن كان مزمنا فالفضلاء من الأطباء لا يجوزون الاستفراغ ولا التحريك إلا بعد النضج، فغن استعماله قبل النضج في أكثر الأمر يحرك المادة ولا يستفرغها بل ربما زاد حجمها بالحركة الموجبة للخلخلة وباستحالة غيرها إليها، بل وربما خلط ذلك الرديء بالصالح وكانت الغلبة للرديء فأحال الصالح إليه، ثم بعد النضج يستعملون المفتحات ليكون جريان المادة أسهل. وأما إذا كان المرض حادا فإن لم يكن مهياجا فإنهم يرون أن انتظار النضج فيه أولى وأصوب وخصوصا إذا كانت المادة في تجاويف المفاصل أو مداخلة الأعضاء أو بعيدة جدا كما إذا كانت عقيب تخم تقدمت وخصوصا إذا كانت غليظة. واما إذا كان المرض الحاد مهياجا، فإن المبادرة إلى الاستفراغ قبل النضج أولى؛ وذلك لأن الضرر المتوقع من حركتها أعظم كثيرا من B ضرر استفراغها غير نضيجة، وخصوصا إذا كانت الأخلاط كثيرة، وخصوصا إذا كانت رقيقة، وخصوصا إذا كانت في تجاويف العروق، فيكون جذب الأدوية لها أسهل. وقد قال بعضهم: إن الاستفراغ قبل النضج في جميع الأمراض الحادة أولى. واحتج على ذلك بوجهين: أحدهما: التجربة. قال: فإنا رأينا خلقا من المحمومين فصدناهم في أول يوم حدوث الحمى، ثم استفرغناهم في ذلك اليوم بالنقوعات المعروفة، وبردنا مشروبهم وغذاءهم، فبرئوا في ذلك اليوم ولم نحتج أن تطول عليهم مدة سوء المزاج ولم نضعف قواهم بتقليل الأغذية. والوجه الثاني: القياس. وهو أن المانع من الاستفراغ قبل النضج هو عسر الخروج بسبب غلظ القوام، والمرض الحاد مادته رقيقة فلا مانع منه، كيف والنضج هو ترقيق القوام وقوام مادة المرض الحاد رقيقا فلا وجه لتأخير الاستفراغ. وقد فرع على هذا الأصل الفاسد بطلان جميع ما ذكرناه A في قانون أغذية المرضى بحسب مرتبة مرضهم لأنه إنما أوجبنا تقليل الغذاء ومنعه لغرض إقبال الطبيعة على المادة لتنضجها، وإذ لا يجب النضج فلا حاجة إلى ذلك التقليل. واعلم أن كلا الوجهين فاسد، أما الأول فهو أن التجربة إنما تفيد علما إذا تكرر حكمها تكرارا تذعن له النفس، وذلك إنما يكون في أشخاص كثيرة جدا وفي بلاد كثيرة، ولعل ما شاهد هذا القائل أعدادا قليلة جدا، ولو فرضنا أنه كان في أعداد كثيرة إلا أن ذلك يدل على الجواز، وأما أنه أفضل فلا يدل عليه فعل أولئك القوم الذين شاهدهم لو انتظروا النضج كان علاجهم أفضل ورجوع قوتهم إليهم أقرب، والظاهر أن بدنهم لا ينقى بذلك ولو سكنت صورة المادة، لأن الظاهر أن ما كان من المادة غليظا يتخلف، ولعل من عولج بذلك يعاوده المرض عن قرب. وأما الوجه الثاني فإن المانع ليس هو الغلظ فقط، بل ورقة المادة مانعة أيضا، ويدل على ذلك الأمر الطبيعي، فإن البول في أول المرض الحاد لا يكون له ثفل ولو كان المانع الغلظ فقط B وجب أن يكون له ثفل في أول آن حدوث المرض لأن الطبيعة لا تشك في أنها متضررة بمادة المرض، فلو أمكن دفعها في أول آن حدوث المرض لفعلت ذلك، فتأخيرها عن الدفع دليل عجزها عن ذلك، فعجز الأدوية أولي وليس له أن يقول أن سبب عجزها أولا ليس هو رقة المادة، بل انقهار الطبيعة ؛ فإن ذلك لو كان حقا لوجب أن يدوم ذلك الانقهار بل ويقوى كل وقت لأن السبب كلما دام كان تأثيره أقوى، وذلك يقتضي أن لا يمكن دفع المرض البتة وهو محال أيضا لو لم تكن رقة القوام مانعة من الدفع لما تخلف (38) في ذات الجنب يومين، ثلاثة؛ وكذلك لما تخلف النقاء بالنفث في النزل الرقيقة المادة عن اليوم الأول، وليس كذلك. واعلم أن الاستفراغ الذي الأولى فيه تأخير النضج هو الذي يقصد به استئصال المادة، وأما الذي يقصد به التنقيص فيجوز، بل يحسن في أول يوم. A
صفحه ۶۱