وقال الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين}(التين 4-5) وهذا بحسب القوس النزولي، ويدل على الكينونة السابقة قبل عالم الطبيعة كما هو المحقق عندهم، والرد من أعلى عليين إلى أسفل السافلين لا يمكن إلا بالعبور على المنازل المتوسطة فمن حضرة الواحدية والعين الثابت في العلم الإلهى تنزل إلى عالم المشيئة، ومنه إلى عالم العقول والروحانيين من الملائكة المقربين، ومنه إلى عالم الملكوت العليا من النفوس الكلية، ومنها إلى البرازخ وعالم المثال، ومنها الى عالم الطبيعة بمراتبه إلى أسفل السافلين الذي هو عالم الهيولى وهو الأرض الأولى، وباعتبار هو الأرض السابعة والطبيعة النازلة. وهذا غاية نزول الإنسان، ثم تدرج في السير من الهيولى التي هي مقبض القوس إلى أن دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فالإنسان الكامل جميع سلسلة الوجود وبه يتم الدائرة، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو الكتاب الكلي الإلهي والاعتبارات الثلاثة يأتي فيه أيضا، فإن اعتبر كتابا واحدا كان عقله ونفسه وخياله وطبعه أبوابا وسورا ومراتب كل واحد منها آيات وكلمات إلهية، وإن اعتبر كتبا متعددة كان كل واحد منها كتابا مستقلا له أبواب وفصول، وإن جمع بين الإعتبارين كان كتابا ذا مجلدات وقرآنا ذا سور وآيات فهو بالوجود التفريقي وباعتبار التكثر فرقان، كما ورد أن عليا فيصل بين الحق والباطل، وباعتبار الوجود الجمعي قرآن.
تمثيل
اعلم أن الإنسان الكامل هو مثل الله الأعلى وآيته الكبرى وكتابه المستبين والنبأ العظيم، وهو مخلوق على صورته ومنشأة بيدي قدرته وخليفة الله على خليقته ومفتاح باب معرفته من عرفه فقد عرف الله وهو بكل صفة من صفاته وتجل من تجلياته آية من آيات الله. ومن الأمثال العليا على معرفة بارئه معرفة كلامه. فليعلم أن الكلام عبارة عن تعين الهواء الخارج من باطن الإنسان بالسير إلى منازل الخارج والعبور عن مراحل السير إلى الخارج والظهور من عالم الغيب إلى الشهادة الكاشف عما في ضمير المتكلم وسره وعن بطون مقصده وأمره، فإنشاء المتكلم لكلام وإيجاده له وإنزاله من عالم الغيب إلى الشهادة ومن سماء السر إلى العلن لتعلق الحب الذاتي على إبراز كمالاته الباطنة وإظهار ملكاته الكامنة. فقبل التكلم والإنشاء كانت كمالاته فى مرتبة الخفاء. فحبب إظهارها وعشق إعلانها فأوجد وأنشأ لكى عرف قدره وشأنه.
صفحه ۹۵