فهز رأسه في تسليم وتمتم: أجل، نجونا بأعجوبة.
ثم بنبرة وشت بنشوة طارئة: لم يضع شيء لا يمكن تعويضه.
العالم الآخر
رقصت الفتاة على عزف جوقة صغيرة في القهوة الوحيدة بالدرب. جميع المقاعد خالية في تلك الساعة من الأصيل عدا مقعدين أمام القهوة؛ احتلت المعلمة أحدهما، وجلس على الآخر شاب تابع لها. تبدى بلاط الدرب الضيق نظيفا لم تطأه قدم بعد. أما الشمس فتوارت وراء البيوت القديمة طارحة آخر دفقة من شعاعها على أسوار الأسطح المتآكلة. وعلى جانبي الدرب - أمام الأبواب المفتوحة - جلست نساء على كراسي خيزران في أزياء متهتكة وزينة فاقعة يدخن ويتبادلن الأحاديث. قالت المعلمة لتابعها الشاب: حياتنا خنوع واستسلام ودفع إتاوات، حتى متى؟
فقال التابع، وهو متين البنيان في العشرين من عمره: حتى تتهيأ الفرصة للقضاء عليه! - متى تتهيأ الفرصة؟ - كل شيء بأوانه، وإلا دمرنا تدميرا لا يبقي ولا يذر. - مهنة كالقطران؛ ادفع، ادفع، ادفع؛ للطبيب .. للشرطي .. للضابط ... وكله كوم وشيخ البلطجية كوم وحده، هل قضي علينا أن نشقى بمهنة جزاؤها النار وبئس القرار لنبدد مكاسبنا على كل من هب ودب! - لكل عمل متاعبه. - ما أكثر الذين يفوزون باللقمة الهنية بلا قرف! - الصبر طيب يا معلمة.
فبصقت المعلمة بازدراء وقالت: الليلة موسم، وعلينا أن نحقق أكبر ربح، بالإضافة إلى نفقات الحكومة والبلطجية! - ستكون ليلة مباركة. - همتك، فتح عينك، خذ بالك من النسوان! - اطمئني يا معلمة، ولكن الرجل المرعب سيمر آخر الليل ليأخذ الإتاوة.
ثم وهو يشير ناحية الفتاة التي ترقص داخل القهوة: وليجر وراءه أجمل بنت عندنا!
فتنهدت المعلمة قائلة: حسبي الله، ولكن أمامها ليل طويل قبل ذلك تستطيع أن تحول ساعاته إلى ذهب!
وقام التابع فدخل القهوة. أشار إلى الجوقة فكفت عن العزف. أخذ الراقصة من ذراعها وانتحى بها جانبا بعيدا عن الأنظار. وفي تلك اللحظة ظهر في مدخل الدرب شاب يافع يدل مظهره على أنه تلميذ أو طالب، ألقى على الدرب نظرة استغراب، ونقل عينيه بين النسوة في دهشة واضحة. تردد مليا، استعدت كل امرأة لاستقباله بحركة ترحيب، لكنه ألقى ببصره فيما أمامه بلا فهم أو مبالاة وتقدم نحو القهوة. حيا المعلمة برفع يده إلى جبينه، ثم سألها بأدب: أين صاحب القهوة؟
سألته بدورها وهي تتفحصه بإمعان: ماذا تريد منه؟ - أريده لأمر هام.
صفحه نامشخص