فقال العملاق: ليكن نصيب كل بحسب قوته.
فقال الرجل الغليظ: ليكن!
فقالت الراقصة: الخير بين أيدينا أكثر من أن يحصى!
أحاطت الجوقة بالرجل الغليظ تحاول إقناعه. وتنحت الراقصة بالعملاق جانبا لتلطف من صلابته. أما الزوجة فقد رجعت خفية إلى موقف زوجها. وقفت لصقه وهي تدس شيئا في جيبه. وراحا يراقبان الحشد الذي يتآمر على قتلهما ونهب بيتهما بغرابة. غير أن طارئا سرى في الجو بخفة كالهمس، رائحة ما، وشيء كالزفير أو الهسيس. وتفشى في دفقات كالفحيح مفجرا رائحة مميزة كالدخان. وانتشرت طقطقة مجنونة بسرعة غير متوقعة، فاقتحمت على المتآمرين خلوتهم. جذبت منهم بعنف أعينا محملقة نحو ردهة المطبخ. وما لبثت أن غابت في سحابات من دخان تسبح فيها عناقيد من الشرر، وتلاطمت صرخاتهم في غضب: النار! - حريقة في المطبخ! - الشقة في خطر. - كل شيء في خطر. - فلنطفئها بأي ثمن.
ودبت حركة وحشية. ولكنها لم تكن إلا صدى خفيفا لحركة رعدية أطبقت على الطريق في الخارج. ارتفع الصياح. دق جرس الباب بلا انقطاع. انهال دق عنيف على الباب الخارجي. وهرع المتآمرون إلى ردهة المطبخ؛ غير أن العملاق مال نحو الشاب فجأة وهو يصيح: لن أتركك حرا.
انقض على الشاب. وإذا بالشاب يفاجئه بضربة من سكينة استلها من جيبه فاستقرت في القلب، وتهاوى على أثرها العملاق دون أن ينبس. لم تغب الواقعة عن الرجل الغليظ، فوثب على الشاب وهو يصيح: خيانة!
وفي الحال صرعه وبرك فوقه، ولكن الزوجة استلت بدورها سكينة مدسوسة في جيب معطفها، وبكل قوتها غرزتها في عنق الرجل.
وتتابعت الأحداث في سرعة البرق؛ تحطم الباب الخارجي، اندفع منه رجال متهورون، ورن جرس المطافئ، وصفارة النجدة، وارتطمت في الشقة الجديدة قوى المقاومة بقوى الغدر؛ فانخرطت في معركة شاملة تحت ألسنة اللهب المندفع والماء المتدفق وقطع الأثاث المتناثرة. •••
وفي المساء نشر الهدوء ألويته فوق الحي جميعه. خلت الشقة من الغرباء، ولم يبق بها قائم، إن هي إلا أشلاء مقاعد وحطام أجهزة ونفايات مفارش. جلس الزوجان على أريكة تحت نجفة صغيرة لم ينج من مصابيحها إلا شمعة واحدة شعت ضوءا شاحبا. لم يخل وجهاهما ورأساهما من كدمات وتسلخات وأورام خفيفة، أما ملابسهما فقد تمزقت في أكثر من موضع، وتلوثت بالسناج. جعلا ينظران فيما حولهما بوجوم ويتبادلان النظر. وفجأة أغرقا في ضحك هستيري ركبهما طويلا، حتى رجعا إلى الصمت والوجوم. ورغم كل شيء فإن القلب لم يخل من ارتياح خفي وامتنان، وتردد صوته في إعياء: ضاع كل شيء.
فربتت على كتفه بحنان وقالت: نجونا بأعجوبة!
صفحه نامشخص