شاعر غزل عمر بن ابی ربیعه
شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة
ژانرها
وأبو عبيدة يكاد يماثله في هذا الاعتقاد؛ لأنه حسب أن الخطر من شعر بشار إنما يأتي من فهم النساء شعره وقلة فهمهن أشعار العشاق من أمثال كثير وعروة وقيس وجميل.
والواقع غير ذلك كما يتبين من المقابلة بين الطريقتين.
الواقع أن الخليفة «المهدي» كان أفطن إلى الفرق بين الطريقتين؛ لأنه اعتمد على حسه وعلى المشاهدة ولم يعتمد على العناوين الأدبية التي يعرفها الرواة وعلماء اللغة، فيجعلون الغزل كلاما يتساوى فيه كل شعر يرد فيه التشبيب ووصف الحسان.
فالمهدي نهى بشارا عن غزله ولم ينه أحدا عن رواية قصائد العشاق من الشعراء الذين أشرنا إليهم؛ لأنه أحس الفرق بين الشعرين وأدرك على البديهة التي لا تحاول التفسير والتعليل أن هذا غير ذاك.
وليس هذا الفرق على التحقيق أن شعر بشار أسهل لغة أو أسلوبا من شعر كثير وجميل، ولا أن بشارا يقارب المرأة وأولئك العشاق لا يقاربونها؛ فقد تكون قصائد كثير وجميل وأمثالهما أسهل لغة وأسلوبا من قصائد بشار على الإجمال، وقد يكون هؤلاء أقرب منه إلى طبيعة المرأة وهواها، وأعرف بغضبها ورضاها.
وإنما الفرق بينهما أن شعر بشار هو شعر المتحدثين والمتحدثات في مجالس اللهو والفراغ، فهو مادة الحديث في تلك المجالس ومادة الحديث عنها، وهو وسيلة الإغراء بها ورسول الدعوة إليها، ومن هنا إغراؤه بالفساد ومحاكاة ما يتخيله ويرويه بين الظرفاء والظريفات.
أما شعر كثير وأمثاله فهو كالرسالة الخاصة من رجل واحد إلى امرأة واحدة، وهو إن أغرى بشيء، فلا يغري المرأة بأن تذهب إلى ملاقاة الرجال الكثيرين والنساء الكثيرات، ولكنه يغريها بعلاقة قلبية كالعلاقة بين ك كثير وعزة، وجميل وبثينة، وعروة وعفراء، وقيس وليلى، وليس هذا ما يدفع العاشق أو العاشقة إلى مجالس الظرفاء والظريفات، بل لعله مما يدفع إلى العكوف والاعتزال.
فالفرق هنا فرق بين طبيعتين متباينتين: طبيعة المحب وهو مخصص لا يعمم، وطبيعة اللاهي بمجالسة النساء ومحادثتهن، وهو لا يتقيد بواحدة دون غيرها، ولا يبلغ من التعلق بها إلا أن يؤثرها على الأخريات بالمجالسة والمسامرة وتمثيل مساجلات الغرام.
وقد كان بشار قريبا في منحاه من عمر بن أبي ربيعة؛ لأن المجالس التي كان يغشاها كانت شبيهة على نحو ما بالمجالس التي كان يألفها ابن أبي ربيعة، غير أن مجالس بشار كانت أشبه بالأندية اللاهية في عصرنا، ومجالس ابن أبي ربيعة كانت أقرب إلى سهرات الحريم المغلق في العصر الماضي، الذي كان يتحلل من الحجاب بعض التحلل في الخلوات وبين الجدران.
فصاحبات بشار هن الجواري والقيان والمستهترات باللهو من نساء الحواضر اللائي لا عاصم لهن، وصاحبات عمر هن الحرائر اللائي يفرجن عن أنفسهن في غفلة الرقباء والأولياء، وهؤلاء في الأدب والنشأة غير هؤلاء، ولكن الشبه بين الطائفتين أن الحديث معهما حديث شاعر مشغول بالنساء جميعا وغير مقصور على واحدة بعينها يخصها بالمناجاة والوفاء.
صفحه نامشخص