مقدمة فاعلم أن محل الإشكال وموضع المناقشة هو قوله: "لا يسع المقلد جهلها".
ووجهه أنه قد ذكر المصنف ﵀ فيما سيأتي بعد هذا ان التقليد يختص بالمسائل الفرعية وهي التي لم تكن من أصول الدين ولا من أصول الفقه وأكثر هذه المسائل المذكورة في هذه المقدمة ليست بفرعية لا في اصطلاح المصنف ولا في اصطلاح غيره فهي مما لا يجوز التقليد فيه عنده وعندهم فكيف يصنع المقلد الطالب لمعرفة ما اشتمل عليه هذا الكتاب؟
إن قال المصنف يأخذها تقليدا فقد خالف ما رسم له من كون التقليد إنما هو في المسائل الفرعية فإنه قد ناقض نفسه قبل أن يجف قلمه ولم يتخلل بين قوله لا يسع المقلد جهلها وبين قوله التقليد في المسائل الفرعية إلا لفظة واحدة وهي قوله: " فصل ".
وإن قال يأخذها اجتهادا فالمفروض أنه مقلد ليس من الاجتهاد في ورد ولا صدر ولو كلف بالاجتهاد قبل التقليد لكان بلوغه إلي مرتبة الاجتهاد موجبا لتحريم التقليد عليه لا سيما على القول الراجح من كون الاجتهاد لا يتبعض لمعرفته لما اشتملت عليه هذه المقدمة لأنه لا يعرفها اجتهادا إلا وقد صار الواجب عليه العمل بما يؤدي إليه اجتهاده فهو مستغن عن معرفة هذا الكتاب الذي جعلت هذه المقدمة مقدمة له لأنه موضوع للمقلدين لا للمجتهدين ولا واسطة بين التقليد والاجتهاد ولا بين المجتهد والمقلد اصطلاحا والمصنف وكثير من أهل الأصول قائلون بنفي الواسطة.
وأما من قال إن الاجتهاد متعين وإنه لا يجوز التقليد على كل حال فهو يوجب الاجتهاد في مثل هذه المسائل المذكورة في هذه المقدمة وفي جميع مسائل هذا الكتاب ولم يكن المصنف من القائلين بتعيين الاجتهاد حتى يصح حمل كلامه هنا على ذلك على أن ثم مانعا من حمله على ذلك وهو أنه لو كان قائلا بذلك لكان تصنيفه لهذا الكتاب ضائعا ليس تحته فائدة لأنه لا ينتفع به إلا المقلدون وليس للمجتهد إليه حاجة بل يكون تصنيفه لهذا الكتاب مع قوله بتعيين الاجتهاد إيهأما للمقلدة بجواز ما لا يجوز عنده وتحليلا لما هو غير حلال في اعتقاده وحاشاه من ذلك.
وما قيل من أن المراد بوضعها تعريف المقلد كراهية جهل ما ذكر فيها وبيان حسن معرفته لها بالدليل لا وجوب تعين الاجتهاد فيجاب عنه بأن هذا لا يدفع الاعتراض على المصنف لأنه لم يثبت الواسطة بين الاجتهاد والتقليد حتى يحمل كلامه على هذا.
على أنه لو كان من القائلين بذلك لكان للمقصرين مندوحة عن الاحتياج إلي كتابه هذا وأمثاله لأنهم إذا قدروا على معرفة الحق في مسائل هذه المقدمة بالدليل من دون اجتهاد كانوا على معرفة الحق في المسائل المذكورة بعد هذه المقدمة أقدر لصعوبة هذه وسهولة تلك.
قوله: "فصل. التقليد في المسائل الفرعية القطعية والظنية جائز لغير المجتهد لا له ولو وقف على نص أعلم منه".
1 / 10