وأبو المواهب المذكور من أعيان علماء المالكية ، وأحد / أقطاب5 العارفين الشاذليه ، ذكره الإمام الشعراني في طبقات الصوفية ، وطول ترجمته ، ثم قال : وغير خاف على من له حظ من علم أنه حيث كانت مسألة سماع الأوتار من المسائل التي حكي فيها الخلاف عن الصدر الأول وغيرهم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من مشايخ المذاهب ، فسبيلها سبيل غيرها من المسائل الاجتهادية ، التي لا تتجه فيها الأنظار ؛ لأن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى ، كما جاءت به الأخبار التي عمل بها الأئمة الكبار ، ومنهم الإمام مالك رضي الله عنه ، فقد روى الخطيب في تاريخه أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب ، ونفرقها في آفاق الإسلام ، فنحمل عليها الأمة ، كل يتبع ما صح عنده ، وكل على هدى ، وكل يريد الله ، وقد نص جمع من مشايخنا الحنفية وغيرهم أنه إنما ينكر ما أجمع العلماء على تحريمه ، فأما الأمور التي اختلف العلماء في تحريمها وإباحتها فليست من المنكر الذي يجب تغييره وإنكاره ، وأن اللازم لكل مجتهد أن يتبع ما أدى إليه اجتهاده ، ولا ينكر على من خالفه فيه ، وأما غير المجتهد فعليه أن يقلد من سكنت إليه نفسه من المجتهدين ، والمحققون على أنه يجوز لغير المجتهد الترخص برخص المذاهب ، والاتفاق على جواز التقليد لغرض صحيح ، بل قالوا باستحبابه في مواضع ، من جملتها إذا كان فيه إكرام من يستحق الإكرام ، كما في واقعة السؤال ، فظهر بما حررناه أن من هتك حرمة مجلس ، أو هتك الأعيان ، وأسرف في إنكار ما أباحه جمع كثير من علماء السلف والخلف ، فهو الذي ارتكب المنكر ، إذ تصدى لما لم يحط به خبرا ، فوبخ ورذل ، وحز في غير مفصل ، كيف ومن شرط العالم ألذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون عارفا بمواضع الخلاف والإجماع ، حتى لا ينكر ما رخص فيه بعض العلماء ، ويقطع بما لا قاطع فيه ، فيدخل تحت إنكار قوله تعالى [ أتقولون على/ الله ما6 لا تعلمون] (¬1) ، وأن يستعمل الرفق واللين كما بيناه في شرحنا على الدر المختار ، لقوله تعالى [فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى] (¬2) أمر تعالى باستعمال اللين مع فرعون أطغى الطغاة في ارتكابه أعظم المنكرات ، الذي هو دعوى الربوبية ، فمن استعمل الغلظة والفظاظة في إنكار أمر مختلف فيه فقد خرج عن مقتضى الشرع من كل وجه ، ونابذ الأدب الإلهي من كل وجه ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، انتهى المراد منه .
صفحه ۸