أظن أن مثل هذه الاعتقادات الصبيانية والعادات الفظيعة تستحق نعت «الغلو والإفراط».
بعد خطة الدفاع يتخذ حضرة ب. ر خطة الهجوم، فينتقل دفعة واحدة من الدين إلى الحرب. وأعترف بأن هذا الهجوم الفجائي يدهشني بعض الدهشة، وهو يعلم ألا دخل للدين في حروبنا اليوم. نعم إنهم يفتتحون الحرب باسم الله، وينادونه إلى الأخذ بيدهم، ويملقونه - وهو الرفيع عن كل تملق - قائلين: أنت إلهنا وأنت معنا. حتى إذا ما أفنوا حياة سمح بأن تكون، وهدموا ديارا سمح بأن تشاد، ومزقوا أجسادا وسحقوا قلوبا عادوا إلى كنائسهم ومعابدهم، وجثوا أمام الإله العظيم إله الرحمة والحب والإشفاق، وأنشدوا: «إياك اللهم نعظم»! إن الأديان لتبرأ من فظائع الحروب ولا تجوز إلا الدفاع عن الوطن إذا هاجمه الأعداء. ولكن جميع النفوس لا تفهم الأديان كما هي، بل كل منا يفهم دينه حسب درجة عقله وميول قلبه. ولا يقتصر البشر على الإيمان بالعقائد الدينية الأساسية، بل يتعصبون لاعتقادات أخرى إضافية لم تكن إلا اختراع التعصب والجهل. وكثيرا ما يستفيد رؤساء الشعب والحكومات من هذا التعصب فيشهرون الحروب، ويقودون الشعب المسكين إلى حيث لا أثر للدين، ولا منفعة لغير السياسة.
فإن استعمل الألمان وسواهم العلم وبذلوا كل ما لديهم من معرفة وحيلة في سبيل قهر أعدائهم، فهل هذا يعيب العلم؟ الطب عائد بالخير على الإنسانية، فهل إذا دس طبيب لعليله السم لغرض من الأغراض فسدت منفعة الطب ووجب علينا أن نحسبه من حيث طبيعته شرا؟ هذا العلم الذي هو آلة شر وفناء في يد ألمانيا وغيرها الآن كان وما زال آلة خير وحياة في يد ألوف من الأفراد وعشرات من الشعوب؛ لذلك لا يتحتم أن يكون المؤمن جاهلا، فالدين شيء والعلم شيء آخر. الدين مهذب شخصيتنا المعنوية والعلم ضرورة من ضروريات حياتنا. هذا للزمان وذاك للأبدية، وليس لأحدهما أن يلاشي الآخر.
يختم حضرة ب. ر مقاله كمن يتساءل ألا يخجل الكاتب لأنه لا يعتقد اعتقاد إميل أماجات؟ لست أدري، يا سيدي؛ لأني لم أسأله بعد، ولكني أعتقد أن الدين علاقة سرية بين الخالق والمخلوق، أعتقد أن كل امرئ يلاقي نتيجة أفعاله ولا يتحملها عنه أحد، أعتقد أن الله منح البشر حريتهم - اسمح لي أن أذكر الحرية بلهجة غير لاهوتية - فعلى كل أن يرى وجهة الخير أمامه، ويعبد ربه ويخدمه كيفما شاء، ما دام الله سامحا بذلك، لماذا لا يسمح به الناس؟
أما الدكتور شميل الذي تفضلت وهنأته «بهذه الحظوة»، فلست أعرف كيف تقبلها، وإذا كان إعجاب رجل أجنبي أو شرقي يهمه كثيرا. ولكني أعرف أن اسمه من الأسماء التي سيفتخر بها الشرقيون دواما، سواء أكانوا مؤمنين أو ملحدين. لم يكتب ضد الدين أحد أكثر من فولتير، ورغم ذلك فمقامه الأدبي محفوظ حتى لدى المتدينين، ويفاخر أبناء فرنسا بأن ينعتوا لغتهم باسمه فيقولون عنها «لغة فولتير».
سلام الله يا مطر عليك
1916
قلبت الشطر وغيرت منه المعنى لأنصفك، يا مطر الجو، وأثأر لك من الشاعر العربي. وسواء أعناك في شعره أم عنى رسولا اسمه «مطر»، أم جعل الكلمة الواحدة في الشطرين تعنيك مرة وتعني الرسول أخرى، فأنت يا مطر الغيوم مظلوم. وما أظلم الشعراء يوم لا يرحمون!
وما ذنبك أنت المنفعل وإن خلناك فاعلا، ما ذنبك إذا امتصتك الشمس من البحر بخارا، وعقدتك في الجو سحابا، ثم تفجرت السحب وتدفقت سيولا تروي السنابل والأشجار، وتذبل الأنبتة والأزهار حينا في انتظار ربيع يحبوها من جديد بنضرة الشباب وسحر الحياة؟
وما ذنبك إذا أبطأ الرسول مطر في رسالته، فلعل له في طريقه ليلى تحدثه؟ وما ذنبك أن لم يعد مطر الرسول إلى الشاعر بجواب مرضي من ليلاه؟ وهب أنك هطلت قبيل اجتماعهما المنتظر فكنت بينهما حائلا، فما ذنبك؟
صفحه نامشخص