صلاح الدين الأيوبي وعصره
صلاح الدين الأيوبي وعصره
ژانرها
خريطة الإمارات الصليبية.
كان العالم الإسلامي في ذلك العصر؛ أي أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، يشمل أقساما ثلاثة كبرى ولكل منها فروع وأجزاء؛ ففي طرفه الغربي كانت دولة الأندلس، وقد عبرت إليها جموع المرابطين من أفريقيا فهزمت المسيحيين الأندلسيين وأعادت إليها شيئا يشبه ما كانت عليه من القوة أيام دولة بني أمية، وبعد المرابطين يأتي إليها الموحدون من أفريقيا فيرفعون علمها إلى أواخر القرن الثاني عشر، ثم تتحطم تلك الدولة حتى لا يبقى منها إلا غرناطة لتشهد تاريخ القرون التالية.
وكان في أفريقيا الشمالية من الغرب دول يرتبط تاريخها بتاريخ دولتي المرابطين والموحدين. وأما في الشرق فكانت دولة العبيديين أو الفاطميين، وقد بقيت هناك إلى أواخر القرن الثاني عشر حتى قضى عليها البطل الكبير يوسف بن أيوب صلاح الدين كما سيأتي، وكان في شرق هذه البلاد رقعة الدولة العباسية مقسمة بين أمراء السلاجقة بعضهم من نسل ملك شاه وبعضهم من نسل قواده ورجاله، وكان للخلافة على هؤلاء سيادة اسمية لا تكاد تعدو السكة (النقود) والخطبة في المساجد، ولم تكن بين دول الإسلام رابطة متينة، بل إن اثنتين منهما كانت على خلاف ومنافسة بل على عداء، وهاتان هما: الدولة العباسية والدولة الفاطمية؛ فإن الأولى كانت دولة سنية والأخيرة كانت شيعية، ولكل من الدولتين خليفة يرى نفسه أحق بأن يدعى له على المنابر جميعها، فكان من الطبيعي أن العالم الإسلامي عندما صدمته الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر لم يكن متماسكا بل كان مقسما إلى دول متنافسة، ولم تكن الدولة العباسية في ذاتها دولة بالمعنى الصحيح، بل كانت مقسمة إلى إمارات كل منها مستقل بأمره، لا تربط بينها إلا جامعة اسمية لا حقيقة لها، وكانت الدولة العباسية هي التي قابلت الصدمة فلم تقو على احتمالها ثابتة بل تصدعت وتداعت، وخيل للناس أن قد هوت وضاع أمرها ولم تجد لها نصيرا، لا من داخلها؛ إذ كانت كلمتها مفرقة، ولا من خارجها؛ إذ كان الفواطم أقرب إلى الشماتة بها، وكان أهل أفريقيا والأندلس في شغل بأمرهم عن أن يمدوا مساعدة لأحد آخر، وزد على ذلك بعد الشقة وقلة الارتباط، ولكن ذلك التصدع لم يكن ظاهرا؛ فإن الدولة الإسلامية مالت أمام الموجة القوية ولم تكن هزيمتها انكسارا، بل إن العقيدة لم تتزعزع في وقت من أوقات تلك المحنة، ولم يكن في الناس شك من أمرهم، بل ظل في نفوسهم إيمان صادق أن مآل تلك الموجة التي أتت من وراء البحر إلى الضعف، وأنه لا بد من الانتصار عليها وردها من حيث جاءت بعد حين، وقد ظهرت هذه العقيدة في كثير من الوجوه، فما كادت الأمة تفيق من الصدمة الأولى حتى أخذ رجالها يعملون على إظهار تلك العقيدة الكامنة، وكان أول من أظهرها أتابك عماد الدين زنكي صاحب الموصل
3
إذ استولى على إمارة الرها في عام 1144م/539ه بعد أن هزم الصليبيين.
فزعت أوروبا عند ذلك وجردت الكتائب لاسترداد ما فقده الصليب، ولكن الذي ينعم النظر في تلك الحرب الثانية لا يسعه إلا أن يلاحظ أن الحماسة الدينية قد خبت قليلا في قلوب أهل أوروبا. وقد عجزت كتائب المسيحيين عن استرداد الرها مع اشتراك اثنين من كبار الملوك المسيحيين في الحرب وهما: الإمبراطور كنراد الثالث عاهل الدولة الرومانية المقدسة، ولويس السابع ملك فرنسا، وقد استمرت الدولة الإسلامية على محاولتها الأولى تسعى للخلاص من الأغراب الذين أخذوا بعض بلادها إلى أن ظهر رجل الجهاد الأكبر وهو نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، فجعل حياته لإظهار عقيدة الأمة الإسلامية في النصر ظهورا واضحا.
4
وكان صلاح الدين يوسف بن أيوب أحد رجال هذا الأمير العظيم وسيفا من سيوفه، وليس بعجيب في التاريخ أن ينشأ رجل تابعا لعظيم ثم يعلو شأنه ويظهر أمره حتى يغطي ذكره على ذكر سيده ويصبح المجد والعظمة للتابع دون المتبوع. (7) الدول الإسلامية بالشام والجزيرة ومصر
الشام والجزيرة
قتل عماد الدين زنكي وهو في ميدان الحرب، وبعد مقتله تقسمت دولته بين ابنيه: وأولهما سيف الدين غازي الذي استولى على الشرق وجعل مقره الموصل، وثانيهما نور الدين محمود الذي استولى على الغرب وجعل مقره حلب. على أن نور الدين هو الذي سار على سنة أبيه، وقد عاش مدة أطول من أخيه؛ ولهذا تمكن من بسط سلطانه على البلاد التي ورثها أبوه الشهيد عماد الدين، واستولى على غيرها مما فتحه من أملاك المسلمين المستقلين أمثال دمشق وبعلبك، ومما فتحه من أملاك المسيحيين بعد أن فشلوا في حملتهم الثانية التي اشترك فيها كنراد الثالث إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة ولويس السابع ملك فرنسا.
صفحه نامشخص