وربما كان المكان الآخر مكتبا آخر على الصورة نفسها، وفي حجرة أخرى على الحال نفسه.
ولم لا؟
أين يجب أن يكون كاتب السجن من أحد المراكز، إن لم يكن في حجرة نائية في أقصى الممر في بناء عتيق من مباني المدينة الصغيرة التي يقوم فيها المركز؟
كاتب سجن؟
أجل هذا هو العمل الحكومي الذي أسند إلي حينما صدر قرار تعييني موظفا في الدرجة الثامنة بوزارة الداخلية، كاتب سجن عليه أن يستقبل المسجونين الجدد، ويودع المسجونين الراحلين، ويغمض عينيه عن المسجونين الذين لا يستقبلهم ولا يودعهم، وإنما يراهم يمرون تحت أنفه داخلين إلى السجن، وخارجين منه دون أن يكونوا متهمين، أو محكوما عليهم ...
إن سجن المركز هو الاستراحة، ال «رست هاوس» بين الحرية، وبين حياة السجون ... وأنا مدير هذه الاستراحة، المدير الذي يشرف على راحة نزلائها، لكن أي مدير؟! مدير مغلول السلطة، لا يملك حتى أن يقبل من يريد، أو يرفض من لا يريد، بل لا يملك حتى الحق في أن يعرف عدد النزلاء، أو أسماء بعض النزلاء.
وأمامي دفتر ضخم ... دفتر السجن ... أقيد فيه أسماء النزلاء، وتاريخ وصولهم، ونوع جريمتهم، ورقم قضيتهم، ومدة بقائهم، ومن أين جاءوا وإلى أين يذهبون؟ والمفروض - المفروض فقط - أن يكون عدد المقيدين في الدفتر مطابقا لعدد الموجودين في السجن ... أما الواقع فهو أن حجرة السجن تحتوي دائما على ضعف العدد الموجود بالدفاتر ...
وكل من هؤلاء الزائدين يمثل مخالفة قانونية ... بعضهم قبض عليه ضابط المباحث لاشتباهه في شأنه ... وبعضهم أفرجت عنه النيابة، ولم يرق قرارها في عين البوليس فخرج من السجن ... في دفتري فقط، وبقي فيه بجسمه ... فقط.
وقد يختلف أحد الحكام مع أحد أتباعه فيلقى به إلى السجن لكي «يتربى» ولم لا؟ أليس السجن تأديبا وتهذيبا؟!
وإذا عرفت عدد الحكام في المركز فسوف تعرف عدد الذين يحتمل نزولهم ضيوفا على السجن ... ضيوفا غير رسميين، إن الحكام يبدءون بالمأمور، وينتهون عند محروس، ومحروس هو الجندي النفر الذي يقف أمام باب حجرة الأفندية الكتبة ... وأنا منهم.
صفحه نامشخص