الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
ژانرها
فابتسم الطبيب بسمة الريب، وأدركت معنى ابتسامه فقالت له: أنا أبرهن لك على ذلك.
فجلس الطبيب إلى جانبها، وأخذ يدها وقال: إن داءك غير عضال، وعلاج أيام قليلة يكفي لشفائه.
فنظرت إليه نظرة هادئة، وقالت: أتسمح لي أن أكلمك، وتصغي إلى آخر ما أقوله؟ - تكلمي يا سيدتي. - ألا يحصل أحيانا أن يأتوك بأناس عقلاء أصحاء يزعمون أنهم مجانين رغبة في إخفائهم عن أعين الناس.
فاضطرب الطبيب وقال: ذلك ممكن، فهل أنت من أولئك المظلومين.
فأخذت يده بلطف وهزت رأسها، واستوت جالسة شأن كل امرأة تعودت الدلال واستهواء القلوب، وقالت: اسمع لأقص عليك حكاية غريبة ندر أن تسمع بمثلها في هذه الأيام. فعاد الطبيب ظنه أنها مجنونة، ولكنه صبر إلى النهاية وأصغى، فقصت عليه حكايتها بالتفصيل من يوم أحبت فرناند إلى يوم إلقاء القبض عليه بتدقيق وبيان غريب، وقالت: إنها مستعدة لتأييد أقوالها بشهادة كل الذين عرضوا لها في هذه الحكاية، ثم دلت الطبيب على منزلها في شارع مونسي، وسألته أن يذهب إليه ويجتمع فيه بأمها فتتجلى له الحقيقة.
فأثر كلامها على الطبيب وقال لها: إني ذاهب الآن إلى منزلك، فأفحص الأمر بنفسي، فإذا صح الأمر كما تقولين فإني أكون لك محاميا لا طبيبا، وسأعود إليك في المساء، ثم تركها وانصرف.
جلست باكارا في غرفتها تنتظر الأجل المضروب على أحر من الجمر.
وكان أندريا قد قدر ذلك من قبل؛ فاتفق مع مومس كثيرة الدهاء وأقامها بمنزل باكارا، وقد علمها ما تقول، فلما جاء الطبيب حكت له قصة باكارا كما رواها له أندريا، فلم يعد لديه ريب بجنونها، وعاد إلى المستشفى وهو آسف عليها.
ولما رأته باكارا داخلا عليها صاحت صيحة فرح، واستهلت حديثها معه بالشكر له والثناء عليه، ثم قالت: إنك قد رأيت أمي ولا ريب، وثبت لك الآن أني غير مجنونة، فجل ما ألتمسه منك الآن أن تسير معي إلى دائرة البوليس، فتوضح مكر السير فيليام، وتنقذ ذلك التعيس البريء من عذاب السجن. وعند ذلك دخلت فاني فنظرت إلى الطبيب نظرة استفهام أجابها على سؤالها بابتسامة حزينة تدل على الشفقة، ثم قال: لقد بدأت بها أعراض الجنون، ويجب أن تستحم بالماء البارد.
فصاحت باكارا صيحة منكرة، وقد سمعت ورأت كل شيء، فقالت: إذن أنا مجنونة حقيقة.
صفحه نامشخص