الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
ژانرها
فصرخت سريز بمنتهى الانذهال: حنة! - نعم، حنة دي بالدر التي أحبها حبا مبرحا، والتي ستكون امرأتي في أقرب حين، فإنها أصيبت أيضا بنفس ما أصبت به أنت، وإني أراك شديدة الاضطراب لهذه الحوادث الغريبة التي تمر عليك كألغاز، فأصغي لي أوضحها لك، فلنبدأ بك أولا ثم نعود إلى حنة، فأنتما قد أصبتما بمصاب واحد.
إنك تحبين ليون وهو يحبك، وقد كنتما اتفقتما على أن يكون قرانكما بعد خمسة عشر يوما، وإن لك أختا شقية بغيا باعتك بيع السلع إلى رجل غني قادر على أن يقتحم أشد الأمور، وهذا الرجل هو بيرابو رئيس القلم في الوزارة، وهو الذي أنقذتك منه، واضطررت إلى نقلك هنا كي تكوني بمأمن من كيده ريثما يدعى إلى المجلس ويحاكم بما جنت يداه، وهو لا يستطيع أن يأتي إليك وأنت في هذا المكان، أفهمت الآن؟ - فما الذي دعاك أن تعاملنا بمثل هذا الإحسان؟ - إني رجل واسع الثروة، وقد أوقفتها لصنع الخير ودفع كل شر، ولدي رجال صادقون أبثهم في جميع الأنحاء، فيطلعوني على كل شيء، وهم الذين أعلموني بما كان بين أختك وبيرابو من الاتفاق بشأنك، والآن فأصغي إلي فإني أكلمك عن حنة.
ثم وضع يده على قلبه، وقال: إني أحبها حبا ليس فوقه حب، وقد كانت معرضة لخطر يشبه الخطر الذي كنت أنت معرضة له؛ ذلك أن بستيان خادم غرفتي قد انتحل اسمي وتقدم إليها باسم الكونت أرمان دي كركاز.
فقالت سريز بانذهال: بستيان الذي كان معنا في بلفيل؟ - أجل، هو بعينه وقد توهمتم يومئذ أن الصدفة قد بعثت به إليكم لإنقاذكم من ذينك اللصين اللذين لم يكونا إلا رفيقيه، والسبب في ذلك أن بستيان هذا قد رأى حنة، واقتفى أثرها مرارا، وعلق بها، فاتفق مع شريكيه عندما رأى حنة ذاهبة معكم إلى بلفيل، ومثل هذه الرواية المضحكة التي تعلمينها، بحيث اضطررتم بعدما شاهدتم من شهامته أن تدعوه إلى ذلك العشاء، ثم ذهبتم إلى منزلكم فاغتنم هذه الفرصة لإيصال حنة، التي سرها ما رأته فيه من الشهامة إلى منزلها، وإنك لا تعرفين هذا الرجل إلا بالنظر، أما أنا فقد عرفته بالخبر، فهو أهل لكل شيء، فلما رأى ميل حنة إليه انتحل اسمي فتسمى بأرمان دي كركاز، وأعطى اسمه لرجل كهل استأجر منزلا باسم بستيان بجوار منزل حنة، فتعرف هذا الرجل بها، وأخبرها أنه كان له سابق صداقة مع أبيها، فلما وثقت به أخذ يخبرها عن ميل الكونت دي كركاز إليها، ويحدثها بشهامته ومكارمه، ثم زارها ذلك الخائن المتلبس باسمي، وأظهر لها ما يؤيد كلام شريكه المنتحل اسمه، فأحبته عندما تأكد لها أن حبه شريف، وأن ما وراءه إلا الاقتران.
فاضطربت سريز وقالت باشمئزاز: ذلك محال! فإن مثل حنة دي بالدر لا يمكن أن تحب خادما. - وإنها كانت تحسبه الكونت أرمان، وهو حسن الظواهر، فخدعت به وقد أطلعت على هذا السر الغريب اتفاقا؛ لأن خادمي هذا كان يفتخر أمام رجالي بأن حنة دي بالدر تحبه. وإذا كنت أحبها حبا شريفا طاهرا، كمن يحب الفتاة التي سيتزوجها، ورأيت أنها قد تدلهت في حب ذلك الخائن الذي كان يتلبس باسمي، فقد أسقيتها مرقدا، وجئت بها في الليل إلى هذا القصر بعد أن كتبت لها كتابا بغير توقيع.
فصرخت سريز بفرح: أهي هنا الآن؟ - أجل وسترينها، فهلمي معي إليها.
ثم أخذ بيدها وخرجا من الغرفة سوية، وفيما هما في طريق الروضة صادف مدام فيبار، فنظر إليها شذرا وقال لها بقساوة: إن زوجك كان رجلا صادق الخدمة، وإني أراك على عكس ذلك، فإني عهدت إليك الاعتناء بهذه الفتاة فأوسعتها شتما وسبابا، وعاملتها أسوأ معاملة؛ لذلك أكتفي بطردك.
وفيما هو يقول ذلك أشار إليها بطرف خفي ففهمت مراده، وانصرفت وهي تتكلف هيئة الكدر.
ولما وصلا إلى غرفة حنة قال لسريز: أصغي إلي جيدا، فإن حنة لا تزال نائمة ولا تستيقظ إلا عند الساعة العاشرة، عندما أكون سافرت؛ لأني مضطر إلى التغيب ثمانية أيام في قضاء بعض الشئون المهمة، وإنك ستقيمين معها إلى أن أعود بحيث تكونين بمأمن من أختك الخائنة، ومن مطاردة بيرابو اللذين سينالان من العقاب ما يكونان فيه قدوة لسواهما، وإني سأكتب لها كل يوم وستقعين على رسائلي إليها، فلا تظهري لها سوى أن الذي يحبها الحب الأكبر هو الكونت أرمان دي كركاز، وليس ذلك الخائن بستيان، وإني أرجو أن يكون لرسائلي تأثير عليها، فتمحو من قلبها حب ذلك السافل.
فنظرت إليه سريز متعجبة وقالت: كيف لا تنسى حبه بعد أن تعلم بدناءته، ولا يقتضي لأن تهواك إلا أن تراك. - إذن أودعك على أمل اللقاء القريب، فإني مضطر إلى السفر، ولا يوافق أن تراني الآن. - قل لي بالله متى أرى ليون؟ - لا أقدر أن أفيدك بالتدقيق، ولكن ثقي بي واصبري قليلا، وإني أقسم لك أنك ستزفين إليه بعد خمسة عشر يوما.
صفحه نامشخص